للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكن ليس لما يوجبه معنى الزمالة عند الفرقة بل لفقده لعبة الزميل التي كان يلعب بها في حضرته.

تستهويه الحلوى ولكن لا يغريه التبشير بالجنة، ويخيفه العقاب المادي كالضرب أو الحرمان ولكن لا ترهبه الخشية من الله. فرحه وتألمه إذن لما يبدو من الشيء لا من ذات الشيء وجوهره:

(أ) فوجد أنه مادي، لا يثيره إلا ما هو مادي. ولذته وألمه ماديان مرتبطان أشد ارتباط بالشيء المادي؛ بما يرى فيه، أو يتذوق منه، أو يلعب به. . . الحصول عليه يسبب لذته والحرمان منه يسبب الألم عنده.

حياته هي في الكل والشرب والاستمتاع بالمتع الحسية. لا يعرف من الحياة إلا لوناً واحداً هو هذا اللون. أما انقسام الحياة إلى دنيا وعليا؛ إلى رخيصة وسامية؛ إلى حياة الماديات وحياة المثل والمعنويات فلم يدركه بعد. لم يصل بعد إلى لذة معنوية وشقاء معنوي.

(ب) كذلك يغلب على وجدانه طابع التطرف وعدم الاعتدال: فكثرة حركة الطفل ونشاطه في هذه الحركة عند الفرح، وكثرة بكائه أو شدة صياحه عند الشيء المخيف المرعب تعبر عن هذا التطرف في درجة الوجدان في هذه المرحلة.

والإنسان البدائي كذلك يثيره من الشيء مظهره المادي: يندفع نحو كبير الحجم أو بارق اللون في بشر وسرور، ويبكي - إن لم يول هرباً - مما لم يعهده من قبل.

لا يعرف الجزاء بنوعيه إلا المادي منه. ولهذا يسير المستعمرون بالجهات المتأخرة في الحضارة في معاملة أهل مستعمراتهم من البدائيين طبق هذه الحقيقة النفسية: فإذا أنعموا على إنسان منهم أنعموا عليه بزاهي اللون أو عظيم الحجم مما يلبس أو يؤكل. ونرى لذلك إن أكثر هداياهم إلى الزعماء هناك عبارة عن تيجان من الزجاج الملون يجمع بين كبر الحجم وبريق اللون. كما أن عقابهم ينحصر فيما يؤلم ألماً مادياً كالضرب أو الحرمان من الأكل مثلاً. أما قائمة الشرف وكذا القائمة السوداء مثلاً فلا تعرفان كضربين للجزاء عند البدائيين.

وعبادة هؤلاء - والعبادة مظهر من مظاهر الوجدان - تتمثل في تقديم القرابين المادية لمعبوداتهم مما يؤكل أو يشرب في بيئتهم عادة. بل أساس تخيرهم للمعبود نفسه مادي

<<  <  ج:
ص:  >  >>