تضعضع وأن ساقيّ أصبحتا لا تقويان على حملي، وإن كنت دقيقاً خفيفاً - وزناً ولا دماً - ورأيت مركبة خيل مقبلة فأسرعت إليها وركبتها، والقارئ أعرف بمركبات الخيل، وأكبر الظن أنه رأى كيف ينام الجواد وهو يوهمك أنه يجر المركبة. . . ما علينا. . . سرنا دقائق بسرعة كيلو وربع في الساعة وإذا بالترام الذي نفد صبري وتهدم جسدي وأنا أنتظره يدركنا ويمر بنا كالبرق الخاطف ويتركني أتحسر على العجلة التي صدق من قال إنها من الشيطان لعنه الله. وأوجز فأقول إن كل باب طرقته في ذلك اليوم الأسود ألفيته مسدوداً، وإن كل رجل أردت أن ألقاه وجدته مسافراً أو مريضاً، فاقصرت خوفاً على الباقين الذين كنت أريد أن أقابلهم أن يدركهم الموت. ولاشك أن بن الرومي كثرت تجربته لأمثال هذه المصادفات فصار يؤثر اختصار الأمر والنكوص من البداية اتقاء لمعانات الخيبة التي مل تكررها ولم يكن يجد فيها لذة وله العذر
وأذكر أنه كان معنا في المدرسة الابتدائية تلميذ مجد مجتهد وذكي بارع، وكان حرياً بالنجاح والسبق في أي امتحان، ولم يكن لأحد منا أمل في مزاحمته، ولكنه كان قبل كل امتحان يصاب بمرض يقعده عن أداء الامتحان. وكنا نحن على نقيضه لا نصاب بمرض حتى ولا بزكام خفيف، وكان يتفق أن ينذرنا المدرس أنه مختبرنا غداً مثلاً في الجغرافيا فتهبط قلوبنا إلى أحذيتنا، فقد كانت الجغرافيا أثقل ما نتلقاه من المعارف والعلوم في المدارس الابتدائية لأنها كانت عبارة عن أسماء خلجان وأنهار وجبال ورؤوس وبلدان ليس إلا؛ وكان حفظ هذه الأسماء التي لا آخر لها يسود نور الضحى في عيوننا، ولا أعلم ماذا كان يفعل سواي، ولكني أعرف أني كنت أنشد المرض بكل وسيلة أعرفها فأروح أقف ساعة وساعتين في تيارات الهواء، وأصب الماء البارد على رأسي في الشتاء وأتركه مبلولاً للهواء وفي مرجوي أن أزكم أو أحم فلا يحدث من ذلك شيء، وأضطر إلى الذهاب إلى المدرسة فما بي بأس يصلح أن يكون مسوغاً للتخلف وأعاني الاختبار الذي أنذرنا به، وألقي جزاء العجز عن الحفظ، وتمضي الأيام وأنا صحيح معافى، وإذا بأحد المدرسين يبشرنا بأنه سيذهب بنا إلى حديقة الحيوان في يوم كذا فنفرح ونعد طعامنا ونمني النفس بيوم جميل نلعب فيه وننط ونمتع العين بمنظر القرود والفيل ذي الخرطوم - أبو زلومة كما نسميه - والأسود. ويصبح الصباح الذي أحلم به فأهم بأن أرفع رأسي عن الوسادة فإذا