به أثقل من حجر الطاحون، فأستغرب وأتحسسه فلا أجده مشدوداً إلى شيء، فأسأل أمي فتقبل عليّ وتجسني ثم تقول:(أنت سخن. . لا بد من شربة حالاً) فأصيح: (ولكن كيف أذهب إلى جنينة الحيوانات إذا شربت الشربة؟) فتقول: (جنينة الحيوانات؟ أنت مجنون؟ نم نم. . . لا جنينة الحيوانات ولا غيرها. . .) فأتحسر وأقول لنفسي: (بقى يا رب تشفيني يوم امتحان الجغرافيا وتمرضني يوم جنينة الحيوانات؟ الأمر لله) وأرقد وتجيء الشربة فأتجرعها بكرهي، وبعد ساعتين اثنتين تهبط درجة الحرارة إلى الحد الطبيعي
ومن غرائب الدنيا أن فيها متزوجين يسخطون على نسائهم ولا يريدونهن - ولا يدري أحد لماذا تزوجوهن إذاً - ورجالاً يطلبون الزواج ولا يجدون النساء الموافقات، وفقراء لا يكادون يجدون الكفاف ولهم من البنين تسعة أو عشرة أصحاء يأكلون الزلط كالنعامة؛ وأغنياء يسر الله لهم الرزق وأدر عليهم أخلاف الثروة يشتهي الواحد منهم أن تكون له طفلة واحدة ولو كانت عوراء أو كسيحة. وترى بنات دميمات ثقيلات الدم والروح يتزاحم الشبان عليهن ويطرحن أنفسهم تحت أقدامهن وهن لا يردنهم ولا يشجعنهم ويرفضن أن يكن زوجات لهم وإن كانوا صالحين وأحوالهم حسنة وسيرهم مرضية. وترى بنات جميلات رشيقات ممشوقات يفتن العابد بالحسن والظرف وحلاوة الطبع وطيب الحديث وبراعة الذكاء، ولكنهن مسكينات لا يرغب فيهن أحد ولا يباليهن مخلوق ولا يحلم بوجودهن لا شاب ولا كهل. قالت لي مرة واحدة من هؤلاء الجميلات المسكينات - اعني المنبوذات - إن أغلب ظنها أن العنس هو كل حظها من الدنيا. فتألمت وقلت لها:(يا شيخة حرام عليك. . . أهذا كلام تقوله شابة في العشرين من عمرها؟) قالت: (هذا اعتقادي. . . وأي شيء هناك يغري بالأمل؟. . إن الناس يطلبون المال) قلت: (مالك جاملك وعقلك وحسن تدبيرك وأخلاقك الطيبة) قالت: (أشكرك ولكنك لن تستطيع أن تحيي أملاً مات. . . إني أدرى منك. . .) فتذكرت فتاة هي مثال مجسد للدمامة وثقل الدم وقلة العقل فقلت: (إذا كانت فلانة قد وفقها الله إلى زوج صالح كريم. . .) فقاطعتني وقالت: (هذا هو الذي يحدث دائماً. . . أليس حظ فلانة هذه مدهشاً؟ من كان يتصور؟ اللهم لا اعتراض. . .) قلت: (إنك مازلت صغيرة فاصبري) قالت: (بالطبع. . . ثم إنه لا حيلة لي إلا الصبر ولكنه لا يسعني إلا أن أرى وأتعجب. . . هل تعرف إن كل من زارتنا خاطبة