عناصر القصص الأساسية ثلاثة: العرض، والتعقيد، والحل: فالعرض يقوم بإعداد ذهن القارئ أو السامع إلى موضوع القصة أو الرواية أو الملحمة، فيصف مكان الحادث وزمان، ويُعرّف الأشخاص وأخلاقهم، ويذكر الحوادث التي سبقت القصة إذا كان هناك داع إلى ذلك. وقد يطول أو يقصر على حسب الموضوع، ولكن أخص صفاته أن يكون سريعاً إلى الغرض بريئاً من المقدمات، واضح المنهج، سالماً من الحشو والتكلف، داخلاً في الموضوع، خارجاً منه خروج الزهرة من الساق كما قال شيشرون. أما طريقته فتختلف باختلاف الحادث والظروف: فطوراً يلقي الكاتب بالقارئ في الموضوع دفعة واحدة، ثم يسوق الحوادث الأولى ببراعة ودقة؛ وطوراً يبتدئ منفجراً بعاطفة مكظومة منذ طويل؛ وقد يبتدئ بحكمة بليغة، أو مثل سائر، أو رسم طبوغرافي مشوق، أو وصف تاريخي ممتع. والعبقرية الخالقة لا تُرسم لها الطرق ولا توضع لها القيود.
والتعقيد هو جسم القصة، أو الموضع الذي تشتد عنده الجاذبية، وتشتبك الحادثة، وتمتزج الوقائع والأشخاص والظروف، حتى يُشكل على القارئ الأمر ويعمى عليه الخبر فلا يعرف منه مخرجاً ولا يدري له نتيجة. فخاصته كما رأيت تقوية الجاذبية وتنميتها؛ ولا يتسنى ذلك للكتاب إلا إذا أسدل على النهاية حجاباً شفافاً، ووقف القارئ بين الرجاء والخوف، وجانب التطويل الذي يعوق سير العمل، واحتفظ للنهاية بسرور المفاجأة أو دهشة الفجيعة
والحل هو الجزء الأخير الذي يبرد فيه الشوق وتحل العقدة وتظهر النتيجة. ولا بد أن يكون كل ما سبقه مهيّئاً له وصائراً إليه، دون أن يعلنه أو يدل عليه. فإن القارئ إذا حزره قل شوقه إليه وأنقطع اهتمامه به. والشرط الأساسي لإجادة الحل ألا تزيد عليه، لأن السامع إذا علم ما كان يجهله، وأدرك ما كان يشغله، قرت نفسه وخمد نشاطه، فلا يريد أن يعلم شيئاً
ومن أحسن المُثل على دقة التعقيد وبراعة الحل قطعة من كتاب (الشهداء) لشاتوبريان سيد كتاب فرنسا يصف بها مقتل الشهيد (أودور)، وقد حمل نفسه على أن يتجرع الغصة الأخيرة من عذابه الأليم دون أن يرتد عن دينه، ولا أن يتزحزح عن يقينه، حتى نمى إليه