أن امرأته (سيمودوسيه) على وشك أن يحكم عليها القضاء بالعيش في مواخير الفجور إذا هو لم يقدم القربان إلى الآلهة. كان حبه لزوجه فوق حبه لحياته، فهل يكون حبه لربه فوق حبه لزوجه؟ ذلك ما لا ندريه
(أغمى على أودور. وأسرع الناس إليه، والتف الجند من حوله، واستولوا على الكتاب، وطلب الشعب أن يقرأ عليهم. فقرأه أحد النواب بصوت جهير. وظل الأساقفة سكوتاً والهين، والمجلس يعج بالضجيج والحركة. عاد أودور إلى رشده، فرأى الجند بين يديه يصيحون به: (هلم يا رفيقنا، قرب القربان، وهذه أعلامنا تقوم مقام الهيكل)، ثم قدموا إليه قدحاً مملوءاً بالنبيذ ليريقه. فثارت في قلب أودور عواصف الفتنة، وتجاذبت رأيه عوامل الوساوس: كيف تصير (سيمودوسيه) إلى مواخير الفسق؟ وكيف تصبح بين ذراعي (هيبروقليس)؟ نفج الشهيد صدره، وأنكسرت آلة عذابه، فسال دمه غزيراً، فضج الشعب وجثا إشفاقاً عليه ورحمة له، وأخذ يهيب به مع الجنود:(قرب القربان! قرب القربان!) هنالك قال أودور بصوت خافت متهافت: أين الأعلام؟ فقرع الجنود تروسهم علامة الفلج والظفر، وبادروا إلى أعلامهم فحملوها إليه. فنهض أودور يسنده حارس، وتقدم حتى وقف أمام البنود؛ وقد خشعت الأصوات وشمل السكون، ثم تناول القدح فستر الأساقفة رءوسهم بفضل مسوحهم، وصاح القساوسة صيحة الجزع. ولكن أودور رمى بالقدح، وألقي بالأعلام، والتفت إلى الشهداء وقال: أشهد أني مسيحي!!)
فأنت ترى أن جاذبية قوية استولت عليك وأنت تقرأ هذه القطعة؛ لأن عزم أودور ظل مجهولاً حتى نهاية الأمر. فلما طلب الأعلام بصوت خافت وقع في نفسك بعض ما وقع في نفوس الشهداء والقسيسين من الضيق والحزن. حتى إذا أهاب به القساوسة إلى الواجب وألقى بالقدح وقال:(أشهد أني مسيحي) تفرَّجتَ من الهم وتنفَّستَ تنفس الراحة!