كانت تسليته الوحيدة هي العزلة، فكانت سواحل نهر (الإيلب) ملجأه المحبب صباحاً، وكان هناك يتجول في وحدته بين الكروم والمروج والخمايل الجميلة تاركاً ذهنه يسرح في الخيال العذب، أو متأملاً في مواضع الفتنة من الطبيعة الساحرة أو منغمسا في دراساتهً التي كانت تشغله دائماً وأبداً، أو كان يرى جالساً في بعض الأحيان في الجندول الطافي على صفحات النهر الناصعة، وكان يسره كثيراً أن يكون هناك عندما كانت العواصف تهدر والرياح تزمجر حتى يجد لنفسه المضطربة راحة في اضطراب الطبيعة! وكان الخطر يعير شيئاً من السحر لوضعيته وكان يشعر بالانسجام التام بالمنظر الثائر، عندما كانت العاصفة تجتاح السماء، وكانت الغابات تردد صوت هذا الاجتياح، كما أن النهر كان يشارك السماء في هذه الثورة الجامحة فيهتز ملتويا بتأثيرها وترتطم أمواجه بعضها بالبعض الآخر فتحدث ضجيجاً هائلاً وفي هذه الأثناء اشترى له حديقة في ضواحي (ينا) بالقرب من دار (ويسلهوفت) التي كانت مركز إدارة مجلة (الكيمانية ليتراتور زايتنغ) وهي المجلة الذائعة الصيت في ذلك الوقت، وأن نظرنا إلى المكان في سوق (ينا) فهو يقع في الجنوب الغربي من المدينة بين (انكليكاتر) و (بنوثور) في الممر الضيق حيث يجزي فرع نهر (لوتراباخ) حول المدينة.
بني شلر بيتاً من طابوق واحد في قمة المرتفع الذي يشرف على منظر غاية في الجمال وادي (سال) بما يحيط به من غابات الشربين. وكان هذا المكان مسكنه الحبيب إليه أثناء ساعات كتابته؛ وأكثر مؤلفاته التي دبجها يراعه في ذلك الوقت كتبت هنا. وكذلك الحال في الشتاء فإنه كان يعيش بعيداً عن ضجيج الناس وجلبتهم وذلك في دار آل (كرسباغ) خارج خندق المدينة. وكان عند جلوسه بالقرب من المنضدة يحتفظ دائماً بقهوته الجاهزة أو الشوكولاته، وغالباً ما كان يقتنى قنينة من شراب الراين أو الشمبانيا لينعش نفسه المتعبة، وكثيراً ما كان الجيران يسمعونه وهو ينشد بعض الأناشيد العذبة في هدأة الليل. وكل من استغل فرصة مراقبته في مثل هذه الأحوال - وكان ذلك في غاية البساطة - بسبب المرتفعات الواقعة مقابل حديقته من الجانب الآخر من الوادي - كان يمكن أن يراه متكلماً مرة بصوت عال أو ماشياً بسرعة جيئة وذهاباً في غرفته أو رامياً نفسه على كرسيه ليكتب ثم يراه يقف ليشرب من القنينة التي بجانبه. وكان يظل بجانب منضدته شتاء إلى