الساعة الرابعة أو حتى الخامسة صباحاً، أما في الصيف فكان يسهر إلى الثالثة فقط. ومن يذهب إلى الفراش ليستيقظ في التاسعة أو العاشرة.
ويقول الشارح مستطرداً (وكانت حياته في وايمر حياته السالفة في رينا) وكان شغله هو الدراسة والكتابة. وكان يتسلى في محيط عائلته، حيث كان لنفسه حرية التمتع بمسرات الحياة ومباهجها بصراحة مع قليل من أصدقائه الخلص. وقد جمع هؤلاء الأصدقاء في ناد وجعل من هذا النادي مكانا للمتعة والتسلية البريئتين. وكان مع ذلك يحب النزهة المنفردة في متنزهات وايمر وكان يرى غالباً متجولاً بين الخمائل والأروقة المرمرية البديعة، وبيده دفتر ملاحظات وهو يسير ببطيء أو يقف هادئاً متأملاً، وأما إذا رأى أحداً فيمرق مسرعاً إلى طريق آخر لئلا تنقطع سلسلة أحلامه وتأملاته، وكان ملجأه المحبوب هو الطريق الصخري الكثيف المؤدي إلى بيت (رومش) وكان هذا البيت محل نزهة الدوق وقد بني بإرشاد جوته، وكان يجلس هناك بجانب الصخور الشامخة المظللة بأشجار السرو والبقس وأمامه الأيك المعشوشبة على مقربة من جدول صغير يتدفق ماؤه في قناة مبلطة ملساء حيث توجد بعض أشعار جوته منحوتة على لوح أسمر من الحجر مثبت في الصخر). ولو أن هذه العزلة قللت من أهمية سلوكه الشخصي إلا أنها دلت على فضيلة كبرى من فضائله، ألا وهي التجرد من ترهات الحياة وابتعاده من مباذلها، فالإنسان لا يولد إلا ويجد أمامه مجالا من الرغبات العالمية الطموحة، ولا يكون الانتصار عليها كاملاً خصوصاً لإنسان مثل شلر. فوجد أن واجبه يقتضيه أن يساير مثل ذلك المسلك من الحياة، أعني بذلك مسلك العزلة، وقد جاهد بكل ما يملك من قوة وبأس على تأدية مثل هذا الواجب على أحسن صورة بعد أن اكتشفه لنفسه، ولم يكن مصدر هذه العزلة ابتعاده عن مصالح الناس بل لاهتمامه بهم، ويمكننا من بعض الإشارات والعلامات أن ندرك بان واجب الشاعر بالنسبة لشلر فيما يخص الإنسانية هو أعظم قدراً وأكبر قيمة وأعلى دلالة من واجبه الشخصي تجاه نفسه، ومع ذلك، فقد تبين لديه بأنه كان يرمي (بمواهبه في الماء لينتظرها في وقت آخر). وعندما تضمحل ضوضاء الغزاة والمشعوذين والمصلحين السياسيين تظهر الحكمة العلوية التي كانت كامنة فيه وتبقى بين الناس ليعترف بفضلها وتقدر قيمتها حق قدرها، وعليه ولو نه مات إلا روحه الخالدة لا تزال حية طافحة بالقوة والجلال. وقد حدثنا