للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وازدادت عرى المودة توثقاً بينه وبين سليمان باشا فزوجه من ابنته، وفرح شريف بما ساقه القدر إليه من حظ عظيم، وكان اسمه قد أخذ ينتشر بين معاصريه من البعداء عن الحاشية ووجوه القوم، وعرف الناس يومئذ عن النزاهة والاستقامة، وأعجب من تسنى لهم رؤيته بما كان يبعثه مرآه في القلوب من هيبة وبما كان يشيعه في النفوس من حب. . . والحق لقد كان شريف على جانب عظيم من قوة الشخصية، شهد له بذلك الأجانب والوطنيون على السواء

وبدا لسعيد فمال به من الجندية إلى السياسة بعد أن وصل في الجندية إلى رتبة الفريق، وكان هذا التحول بدء مرحلة جديدة في تاريخ حياته، مرحلة حافلة بجلائل الأعمال سلكت شريفا في عداد الأبطال؛ بل لقد كان هذا التحول بدء مرحلة جديدة في تاريخ مصر؛ ولا غرو، فلقد عظم فيها خطر شريف حتى صار تاريخه تاريخ مصر في طور من أطوارها، وتلك منزلة لم يبلغها إلا أفذاذ الرجال، أولئك النفر الذين يتوقف مصير عصرهم على ما يعملون، أو الذين تجد فيهم الحوادث أدواتها الحية إذا ما تمخضت تلك الحوادث عن ثورات وراحت كل ثورة تبحث عن رجلها حتى تهتدي إليه فتستقر في رأسه وفي جنانه. . وأي دليل على العظمة أقوى من أن يكون تاريخ الرجل هو تاريخ عصر من عصور وطنه؟ على هذا الأساس قامت عظمة سعد في مصر الحديثة، وعظمة لنكولن في أمريكا، وبسمارك في ألمانيا، وفردريك الأكبر في بروسيا، وبطرس في الروسيا، وغير هؤلاء من الرجال فيما سلف من العصور وفيما اختلف من الأمم. . .

اختار سعيد شريفا ناظرا للخارجية، وهنا أخذت مواهب ذلك الجندي تظهر في السياسة فتبهر، وما لبث أن وجد شريف سبيله إلى قلوب من اتصلوا به فحمل أنصاره على محبته، وحمل خصومه وحاسديه على إكباره وإن لم يريدوا، وتهيأ لمصر في شخصه الرجل الذي لم تكن لها مندوحة عنه فيما هي مقبلة عليه من عظائم الأمور. . .

(يتبع)

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>