الخليفة، حتى إذا كان يوم اشتد فيه إقبال الظافر على نصر، قال له نصر:(لقد نلت منك يا مولاي كل أنواع التكريم؛ فهل يضيف سيدي إلى نعمه تشريفه إياي في وليمة خاصة بنا في منزلي الليلة، وسوف أفاجئ مولاي بما يلذ له من جيد الغناء، وعتيق الخمر، وأجمل النساء). ولم يكد نصر يسمع من الخليفة ترحيبه بالدعوة وقبولها قائلا له:(ذلك هو العيش يا نصر)، حتى خرج يعد للأمر عدته.
وفي الليل الساجي، والظلام الذي لا تتبين فيه شخوص السائرين، خرج الخليفة الشاب من قصره مستخفيا، لا يصاحبه غير خادمين، ولا يكاد يتميز عمن حوله من الناس، حتى إذا دخل منزل مضيفه، أنقض عليه وعلى أحد خادميه من أعدهم نصر للانقضاض، وبعد بضع دقائق كانت جثة الخليفة ملقاة في بئر هناك، ومضى نصر يخبر والده بما فعل!
تنفس الصبح فشاهد الناس في البكور الوزير عباس ميمما قصر الخلافة يتبعهم ألف جندي شاهرون سلاحهم، ودخل القصر، وطال جلوسه، فاستدعى زمام القصر وقال له (إن كان لمولانا ما يشغله عنا في هذا اليوم عدنا إليه في الغد)؛ فمضى الزمام وهو يبحث عن الخليفة في كل مكان، ثم عاد ليقول لعباس:(خرج الخليفة البارحة لزيارة ولدك نصر فلم يعد! فقال عباس تكذب يا عبد السوء! لقد دبرا أخواه قتله حسدا على الخلافة، واتفقتم على هذا القول)؛ فقال الزمام:(معاذ الله!)؛ قال عباس:(فأين هما؟)؛ فخرجا إليه، فسألهما عن أخيهما، فأنكرا معرفة مكانه، فأمر غلمانه بقتلهما، فقتلا بين يديه!!
وفي ليلة حزينة ثقل فيها الهم على عباس وابنه، فقد آذاهما أن يشتركا في قتل ابن مصال وزير الظافر الأول، وقتل ابن السلار وزيره الثاني، وان يقتلا الخليفة وأخويه، ثم يبحثا حولهما فيجدا السلطة التي جدا في الحصول عليها تكاد تفلت منهما وتمضي، فأقبل أحدهما على صاحبه ودار بينهما حديث:
- أرأيت يا نصر: إن الأمر لم يصف لنا كما كنا نؤمل، وإن الجمهور لم يجز عليه ما أحكمناه من حيلة وتدبير!
- الذنب في ذلك ذنب رجالي يا أبي، فإن خادم الظافر الذي أفلت من يدهم هو الذي أذاع سر الجريمة، وكشف ما كنا نحرص على ستره.
- وهذا الشعب الذي ألفنا منه الطاعة أصبح ثائرا متمردا يسمعنا أنى سرنا أوجع الكلام