للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأحط أنواع السباب، ينادي بالثأر، ويهتف بالانتقام.

- ليت الأمر يا أبي وقف عند الهتاف والكلام، فإن الفتنة قائمة، والأنصار الذين كنا نعتمد عليهم قد انفضوا من حولنا، وأصبحت لا أرى إلا وجوها عابسة، ونفوسا متبرمة، وجوا ينذر بعاصفة.

- لقد كنت يا بني سائرا بالأمس فرأيت هاوناً ألقي علي، ولولا حظي الحسن لحطم رأسي. وأول أمس ألقي علي ماء مغلي كاد يحرقني لولا فضل الله!

- وهل جاءك نبأ طلائع بن رزيك، لقد بعث إليه الأمراء يستنجدون به ليأخذ بثأر من قتلناه. أما أخوات الظافر فقد بعثن إليع بشعورهن في كتب سوداء، وأطلعني جاسوس لا يزال مخلصا لنا على قصيدة طويلة أرسلها إليه القاضي الجليس يحثه فيها على الانتقام، ولا أخال طلائع إلا منتهزا تلك الفرصة النادرة، وقادما إلى القاهرة ليجلس على كرسي الوزارة الذي ينتظره، ويثأر منا غن ظفر بنا.

وهل ننتظر حتى يظفر بنا لابد من الهرب يا بني!

- وإلى أين يا أبي؟

- إلى الشام عند نور الدين محمود، وسنطلعه على ما وصلت إليه مصر من الضعف والانحلال، ونزين له فتحها ونكون له عمالا عليها، وسوف يمهد لنا الطريق إليه الأمير أسامة بن منقذ رفيقنا في رحلتنا.

حث الرسل الخطى إلى طلائع فاستشار من حوله من رجاله، وأجمعوا أمرهم بينهم على الزحف السريع إلى القاهرة، وانضم إليهم قبائل كثيرة من العرب والسودان، حتى إذا دنوا من القاهرة لبسوا جميعا ملابس سوداء ورفعوا رايات سوداء، ونشروا شعور السيدات على أطراف الرماح، وخرج أهل المدينة لاستقبال الجيش الزاحف هاتفين بالثأر من القاتلين.

لم ينتظر نصر ووالده ومن معه حتى يدهمهم عدوهم في عقر دارهم، بل جمعوا ما بقي لديهم من رجال، وحملوا كل ما يملكونه من متاع ومال، ولما جن الليل فروا من القاهرة مهطعين، غير إن عيون بنات الظافر سرعان ما نقلوا خبر فرارهم إليهن، ففكرن في الأمر مليا: هل يتركن الأسير يفلت؟ وهل يدعن الانتقام ممن حرمهن الأخ الصغير والأخوين الكبيرين؟ وأهان عرش الآباء والأجداد؟ أو يكتفين بأن يذهب العدو ويدعهن أحرارا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>