بلادهن؟ وهل يأمن جانب هذه الأفعى وهو رأس المؤامرات وأساس الفتن والدسائس؟ إنهن لا يأمن جانبه ولا يعرفن قصده ونواياه. ومن يدري ماذا تكون النتيجة ذا ترك حيا، فربما كان في بقائه خطر جديد يهدد الأسرة والعرش.
والآن، لابد من التفكير السريع قبل أن يطير العصفور من القفص، وتفلت الفرصة من اليد. سيهرب نصر ووالده إلى الشام وسيمران بأرض الصليبين في طريقهما، وإذا كان الصليبيون أعداء مصر فلا بأس من الاستعانة بهم في القبض على القاتل الفار؛ ولما كان المر يتطلب سرعة في التنفيذ، أرسلن رسول يثقن فيه كل الثقة، وطلبن منه أن يسابق الريح حتى يصل هدفه قبل أن يفر نصر.
وجد القائد الصليبي لقلعة عسقلان فيما عرض عليه الرسول ما يغريه ليقابل بمقابلة نصر وأبيه، فالقائد مطمئن إلى الظفر والنجاح بما مع الفارين بما مع الفارين غنيمة باردة وبما وعدت بتقديمه أخوات الظافر من المال، فأصدر أمر إلى الجند بالتأهب لمقابلة الفارين. وبينما كان نصر وعباس يمنيان النفس بكبار الآمال ابصرا جند الصليبين يحيطون بجمعهما، فلم يجدا بدا من الدفاع عن أنفسهما في معركة خاسرة، مات فيها عباس وابن له صغير، بينما حرص الجند على إن يظفروا بنصر حيا ليثابوا - كم وعدوا - بأجزل الصلات، فلما سقط في أيديهم وضعوه في قفص من جديد.
الركب سائر إلى القاهرة وقلب نصر قد ملئ بما شغله من الهم، فظل قابعا في قفصه يفكر في ماضيه، ويتخيل الوزير ابن سلار وهو ينقض عليه من غير ذنب جناه، والخليفة الظافر وقد انساب إليه الرجال يغتالونه على مرأى منه وفي داره، وهاهو ذا يفقد أباه وأخاه ويقاد إلى مصير لا شك في قسوته وشدته.
لقد جاءت رسل من القاهرة تتعجل قدومه فأنبأته بأن جثة الخليفة أخرجت من بئر في بيته، وأن طلائع بن رزيك وضعها في تابوت سائر خلفه حافيا حاسر الرأس، وتبعة الأمراء والقادة والشعب حفاة حاسري الرأس، وأن الجميع في انتظار نصر على أحر من الجمر.
كل ذلك وأسير القفص لا ينبس ببنت شفة طول الطريق، حتى إذا أشرف على القاهرة وبدت لعينيه أبوابها الضخمة ومآذنها العالية تنهد وقال: