أنا عامل في حكومتكم، ولكني ما بعتكم حريتي لأني لا أملكها؛ فإنها ألطف وأدق من أن تملك؛ إذ هي في الحصن المغلق على سر الإنسان: في القلب. . .
لذلك أعلنكم أن هذا الجانب الخفي الرفيع مني قد أعلن الثورة عليكم، وترك لكم هذا الجسد مِلْكَ يمينكم، فإن شئتم أخذتموه فقطعتم منه الوتين. . وتلك غاية مكنتكم. . وإن شئتم تركتموه سلاحاً تقاتلكم به حريتي التي تحكمني من داخلي. . وتلك غايتها وغايتي!
أما أن أهادنكم على الدَّنيَّة في ديني والخائنة في وطني فذلك ما ليس إليه طاقة حر. .
المال الذي آخذه منكم إنما هو لتحقيق كرامتي بين الناس؛ فإذا لم أجد لأمتي كرامة فما كرامتي أنا؟! إذاً فهو الآن عندي كعلف الدابة التي تركب. . ولن أكُونها!
والجاه الذي أتمتع به في حكومتكم الدخيلة الغاضبة، إنما هو جاه العبد. . لن يرتفع به إلى أن يكون سيداً مهما كان قربه من سيده؛ لأن السيادة ليست له في نفسه، ولا في اعتبار الناس، ولا في اعتباركم أنتم، فهو جاه مثلث التزييف، وأنا آباه!
ودولاب الأعمال في حكومتكم يدور بحرية وإخلاص منكم ليفني الحرية والإخلاص منا؛ فاشتراكي معكم جريمة لا يغتفرها قلب الوطن ولا حساب الله. . فلن أصبر بعد اليوم على ما أرى من قبيح فعلكم بأمتي ونقضكم المواثيق التي واثقتم بها أنفسكم وتمزيق وطني ذلك التمزيق الذي سيفنيه لو بلغتم مرادكم فيه، وما أنتم ببالغيه)
وبهذا انطلق من وظيفته كما ينطلق الطير من قفص فيه حَبٌّ وماء، ونشيده: الجَوَّ الجَوَّ! ولم يَأْس على الحب والماء لأنهما ليسا الشيء الهامَّ في سعادة قلبه. . .
ثم سار يجاهد ويضرب في الأرض، لا يملك غير وجهه جاهاً، وغيرَ يديه ثروةً، وغير قلبه خزانة.