للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه ذات مرة فهم أن يرفع يده عنه ويدعه يدخل إلى المسجد فيصلي مع بعض الأمراء الصالحين

وهؤلاء الفساق الكثيرو المال إنما يعيشون بالاستطراف من هذه الدنيا، فهمهم دائما الألذُّ والأجمل والأغلى؛ ومتى انتهت فيهم اللذة منتهاها ولم تجد عاطفتهم من اللذات الجديدة ما يسدها ضاقت بهم فظهرت مظهر الذي يحاول أن ينتحر. وذلك هو الملل الذي يبتلون به، والفاسق الغني حين يمل من لذاته يصبح شأنه مع نفسه كالذي يكون في نفق تحت الأرض ويريد هناك سماءً وجواً يطير فيهما بالطيارة. . .

قالوا: واعترض ابن الأمير ذات يوم شحاذ مريض قد أسنَّ وعجز يتحامل بعضه على بعض، فسأله أن يحسن إليه وذكر عوزه واختلاله وجعل يبثُه من دموعه وألفاظه. وكان إبليس في تلك الساعة قد صرف خواطر الشاب إلى إحدى الغانيات الممتنعات عليه وقد ابتاع لها حلية ثمينة اشتط بائعها في الثمن حتى بلغ به عشرة آلاف دينار، فهو يريد أن يهديها إليها كأنها قدر من قادر. . . وقطع عليه الشحاذ المسكين أفكاره المضيئة في الشخص المضيء فكان إهانةً لخياله السامي. . . ووجد في نفسه غضاضةً من رؤية وجهه واشمأز في عروقه دم الإمارة وتحركت الوراثة الحربية في هذا الدم

ثم ألقى الشيطان إلقاءه عليه، فإذا هو يرى صاحب الوجه القذر كأنما يتهكم به يقول له: أنت أمير يبحث الناس عن الأمير الذي فيه فلا يجدون إلا الشيطان الذي فيه. وليس فيك من الإمارة إلا مثل ما يكون من التاريخ في الموضع الأثرى الخرب. ولن تكون أميراً بشهادة عشرة الآلاف دينار عند مومس، ولكن بشهادة هذا المال عند عشرة آلاف فقير. أنت أمير، فهل تثبت الحياة انك أمير أو هذا معنى في كلمة من اللغة؟ إن كانت الحياة فأين أعمالك، وإن كانت اللغة فهذه لفظة بائدة تدل في عصور الانحطاط على قسط حاملها من الاستبداد والطغيان والجبروت، كأن الاستبداد بالشعب غنيمة يتناهبها عظمائه، فقسم منها في الحاكم وقسم في شبه الحاكم يترجم عنه في اللغة بلقب أمير

ألا قل للناس أيها الأمير: إن لقبي هذا إنما هو تعبير الزمن عما كان لأجدادي من الحق في قتل الناس وامتهانهم

وكان هذا كلاما بين وجه الشحاذ وبين نفس ابن الأمير في حالة بخصوصها من أحوال

<<  <  ج:
ص:  >  >>