للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النفس، فلا جَرَم أُهين الشحاذ وطرد ومضى يدعو بما يدعو

ونام ابن الأمير تلك الليلة فكانت خيالتُه من دنيا ضميره وضمير الشحاذ: فرأى فيما يرى النائم أن ملكا من الملائكة يهتف به:

ويلك! لقد طردت ذلك المسكين تخشى أن تنالك منه جراثيم تمرض بها، وما علمت أن في كل سائل فقير جراثيم أخري تمرض بها النعمة؛ فإن أكرمته بقيت فيه وإن أهنته نفضها عليك. لقد هلكت اليوم نعمتك أيها الأمير واستردَّ العارية صاحبها وأكلت الحوادث مالك فأصبحت فقيراً محتاجاً تروم الكسرة من الخبز فلا تتهيأ لك ألا بجهد وعمل ومشقة؛ فاذهب فاكدح لعيشك في هذه الدنيا فما لأبيك حق على الله أن تكون عند الله أميراً

قالوا: وينظر ابن الأمير فإذا كلُّ ما كان لنفسه قد تركه حين تركه المال، وإذا الإمارة كانت وهما فرضه على الناس قانون العادة، وإذا التعاظم والكبرياء والتجبر ونحوها إنما كانت مكْراً من المكر لإثبات هذا الظاهر والتعزز به. وينظر ابن الأمير فإذا هو بعد ذلك صعلوكٌ ابتر مُعدم رثَّ الهيئة كذلك الشحاذ، فيصيح مغتاظاً: كيف أهملتني الأقدار وأنا ابن الأمير؟

قالوا: ويهتف به ذلك الملك: ويحك إن الأقدار لا تدلل أحداً لا ملكا ولا ابن ملك ولا سوقياً ولا ابن سوقي، ومتى صرتم جميعاً إلى التراب فليس في التراب عظم يقول لعظم آخر: أيها الأمير

قالوا: وفكر الشاب المسكين في صواحبه من النساء وعندهن شبابه وإسرافه، ونفقاته الواسعة فقال في نفسه: اذهب لإحداهن؛ واخذ سمته إليها فما كادت تعرفه عيناها في أسماله وبذاذته وفقره حتى أمرت به فجر بيديه ودُفع في قفاه. ولكن دم الإمارة نزا في وجهه غضباً وتحركت فيه الوراثة الحربية فصاح واجلب واجتمع الناس عليه واضطربوا وماج بعضهم في بعض. فبينا هو في شأنه حانت منه التفاته فابصر غلاماً قد دخل في غمار الناس فدس يده في جيب أحدهم فنشل كيسه ومضى

قالوا: وجرى في وهم ابن الأمير أن يلحق بالغلام فيكبسه كبسة الشرطي وينتزع منه الكيس وينتفع بما فيه، فتسلل من الزحام وتبع الصبي حتى أدركه، ثم كبسه واخذ الكيس منه واخرج الكنز فإذا ليس فيه إلا خاتم وحجاب وبعض خرزات مما يتبرك العامة بحمله ومفتاح صغير. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>