للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فامتلأ غيظا وفار دم الإمارة وتحركت الوراثة الحربية التي فيه. وألم الصبي بما في نفسه وحدس على إنه رجل أفاق متبطل لا نفاذ له في صناعة يرتزق منها، فرثى لفقره وجهله ودعاه إلى أن يعلمه السرقة وأن يأخذه إلى مدرستها. وقال: إن لنا مدرسة فإذا دخلت القسم الإعدادي منها تعلمت كيف تحمل المِكتل فتذهب كأنك تجمع فيه الخرق البالية من الدور حتى إذا سنحت لك غفلة انسللت إلى دار منها، فسرقت ما تناله يدك من ثوب أو متاع، ولا تزال في هذا الباب من الصنعة حتى تحكمه، ومتى حذقته ومهرت فيه انتقلت إلى القسم الثانوي. . .

فصاح ابن الأمير: اغرب عني، عليك وعليك، أخزاك الله! ولعن الله الإعدادي والثانوي معاً

ثم انه رمى الكيس في وجه الغلام وانطلق، فبينا هو يمشي وقد توزعته الهموم أنشأ يفكر فيما كان يراه من المكدِّين وتلك العلل التي ينتحلونها للكدية كالذي يتعامى والذي يتعارج والذي يحدث في جسمه الآفة؛ ولكن دم الإمارة اشمأز في عروقه وتحركت فيه الوراثة الحربية؛ وبصر بشاب من أبناء الأغنياء تنطق عليه النعمة فتعرض لمعروفه وأفضى إليه بهمه وشكا ما نزل به ثم قال: وأني قد أملتك وظني بك أن تصطفيني لمنادمتك أو تلحقني بخدمتك، وما أريد إلا الكفاف من العيش، فإن لم تبلغ بي فالقليل الذي يعيش به المقل. وصعد فيه الشاب وصوب ثم قال له، أتحسن إن تلطف في حاجتي؟ قال: سأبلغ في حاجتك ما تحب. قال الشاب، ألك سابقة في هذا؟ أكنت قواداً؟ أتعرف كثيرات منهن. . . .؟

فانتفض غضباً وهم أن يبطش بالفتى لولا خوفه عاقبة الجريمة، فاستخذى ومضى لوجهه، وكان قد بلغ سوقاً فأمَّل أن يجد عملا في بعض الحوانيت، غير أن أصحابها جعلوا يزجرونه مرة ويطردونه مرة، إذ وقعت به ظنَّةُ التلصص، وكادوا يسلمونه إلى الشرطي فمضى هارباً وقد اجمع أن ينتحر ليقتل نفسه ودهره وإمارته وبؤسه جميعاً

قالوا: ومر في طريقه إلى مصرعه بامرأة تبيع الفجل والبصل والكرات وهي بادنة وضيئة ممتلئة الأعلى والأسفل، وعلى وجهها مسحة اغراء، فذكر غزله وفتنته وإستغواءه للنساء، ونازعته النفس، وحسب المرأة تكون له معاشاً ولهواً، وظنها لا تعجزه ولا تفوته وهو في هذا الباب خرَّاجٌ ولاَّجٌ منذ نشأ، غير انه ما كاد يراودها حتى ابتدرته بلطمة اظلم لها الجو

<<  <  ج:
ص:  >  >>