للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوزراء وقرر مصادرة الرسالة؟ مع أن المعتزلة منذ ألف سنة قد أنكروا أكثر الأحاديث إلا ما أجمع الرواة على صحته، ولم يكفرهم من أجل هذا أحد، ولم يصادر كتبهم من أجل هذا أحد. ومنذ أكثر من ألف سنة حكى الشافعي في كتابه (الأم) حكاية قوم من المسلمين أنكروا حجية الأحاديث بتاتاً، ولم يشنع عليهم أحد، ولم يقل بكفرهم أحد، وجادلهم المجادلون في هدوء وثبات كما يجادل المؤمن المؤمن. ومنذ عشرين سنة على ما أذكر، كان ينشر المرحوم الدكتور صدقي في (مجلة المنار) مقالات ضافية متتابعة يدعو فيها إلى الرجوع إلى القران وحده، وينقد الرجوع إلى الحديث، ورد عليه جماعة من العلماء، وطال الأخذ والرد والدفاع والهجوم، ولم يجتمع إذ ذاك مجلس الوزراء ويقرر مصادرة المنار كما أجتمع وقرر هذه الأيام. ألا يدل هذا وأمثلته على أننا أصبحنا أضيق صدراً وأقل حرية؟ ومن الغريب أن أحداً لم يحرك لهذا ساكناً ولم يفه ببنت شفة! ولو وقع هذا الحادث من عشر سنين لقام له الكتاب الأحرار وقعدوا، ودافعوا ونقدوا وهذه لجنة التأليف تصدر كل حين كتاباً بل كتيباً، وتهديها إلى الأدباء والصحف والمجلات، ثم تنتظر من يقومها وينتقدها ويبين مزاياها وعيوبها، ويشرح للجنة رأيه في مسلكها وفيما تخرجه من الكتب، ويرشدها إلى وجهة قد تكون خيراً من وجهتها، فلا تجد إلا القليل النادر والنتف القصيرة التي لا تجزئ وسبب هذا أننا لا ننظر إلى النقد النظر الذي يستحقه من الإجلال والإكبار؛ فمنا من ينظر إلى النقد على أنه إعلان عن الكتاب؛ ومنا من ينظر إليه على أنه مجاملة لصديق أو تحية لصاحب أو استغلال لموقف؛ وقليل جداً من ينظر إليه على انه ميزان دقيق كميزان الذهب يوزن به النتاج الأدبي وزناً محكماً فلا يفوته شيء. وقد أجاد العرب كل الإجادة في تسمية هذا المنحى الأدبي (نقدا) أخذا من نقد الصيرفي الدراهم والدنانير ليعرف جيدها من زائفها.

وقد أدى هذا النظر إلى الصحف والمجلات وكثيراً من الكتاب عدوا هذا العمل عملا ثانوياً يضاف إلى أعمالهم الأساسية، فهم معذورون إن ثقلوا بالأعمال وكان نقد الكتب أحدها فلم يولوها العناية اللائقة بها، ولم يمنحوها ما يجب لها من وقت ودرس وتمحيص. وقد أدركت هذا الواجب الجرائد والمجلات الأجنبية التي تحترم نفسها فاختارت كتاباً من خيرة الكتاب لا عمل لديهم إلا النقد، ويقرؤون الكتب والقصائد والقصص ونحوها ويدرسونها

<<  <  ج:
ص:  >  >>