للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محدود، لا يكاد المرء يعدوه حتى يضطر إلى الهبوط أو يورد نفسه موارد الهلاك، فتعلق الناس بالريح ولم يبلغوا عنان السماء، ووقفوا منها على الأبواب ولم يبلغوا منها الصميم، وقديماً تمنى فرعون لو أنه بلغ عنان السماء، وقال: (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السموات فأطّلع إلى إله موسى) فهلك عنه سلطانه وصد عن السبيل. وهكذا بعدت السماء عن أهل الأرض فعزت عليهم وخارت دونها قواهم، وأسرفت في النأي عن الناس، فما زالت وراءها أسرار هيهات للمرء أن يكشف عنها، وما زال فيها من الأفلاك والأجرام ما ليس يعرفه الناس إلا أماني، وقد كان أهل الأرض يفرحون لرؤية السحاب، ويستبشرون بنزول المطر، ويضحكون لبكاء السماء، فما زالوا يرون فيها مصدر الخير وسر الطبيعة وينبوع الحياة، وما زال الناس يلتمسون ضوء النهار من السماء، ويفتقدون فيها ضياء البدر أو سناء النجوم حين يخيم الظلام، فحفظوا للسماء قدسيتها، وقدروا لها هيبتها، وعرفوا الجن في الأرض، وقالوا الملائكة في السماء.

والناس يوقنون أن الله معهم أينما حلوا، موجود أينما وجدوا، وقد كائن في كل زمان، وهو كائن في كل مكان، ولكن شاءت قدسية السماء ألا تلهج الألسن بالدعاء حتى ترفع إليها الأكف وتتطلع نحوها الأبصار.

الإسكندرية

محمد قدري لطفي

<<  <  ج:
ص:  >  >>