خدمة الغرض الذي من أجله نشأت، وللمحافظة على الوحدة، ولذلك حذر من الخوض في المواضيع الدينية والمشاكل الدينية باللغة المحلية، لأن هذا الجدل من عقيدة فيصح لكل مواطن أن يعتنق ما يشاء من العقائد، وله أن يدين بأي دين.
وبهذه الفكرة كتب الفيلسوف الإيطالي أفكاره في: تلك المحاورة (ديالوك) الفلسفية التي ينبري فيها رجال يمثلون أربعة أديان للدفاع عن عقائدهم وديانتهم التي يعتنقونها، الديانة اليونانية الرومانية، والديانة اليهودية، والديانة المسيحية، ثم الديانة الإسلامية. وقد حدث في هذه المحاورة كل محام بما كان يعتقده أصحاب ذلك الدين. فتحدث على لسان الوثني، وتحدث على لسان اليهودي، وتحدث على لسان المسيحي، وتحدث على لسان المسلم، وذكر دليل كل واحد منهم. وهذه محاورة جريئة بالطبع، أوقعت المؤلف في مزالق الكلام، وهوجم على محاورته هذه هجوما عنيفا اتهم بأنه قصر في دفاعه عن عقيدة المسيحيين، وأنه أظهر المحامي المسيحي بمظهر المحامي الضعيف الذي لا يملك حججا قوية لأفحام خصمه، وقد كان في ذلك متعمدا لا محالة.
تأثر (لسنك) بآراء هذا الفيلسوف. وانبرى على الرغم من تفاوت عهده عنه للدفاع عن آرائه فدافع عنه في دفاعا أوقعه في مثل ما وقع فيه ذلك الكاتب المفكر. ذكر بأن الفيلسوف لم يكن مقصرا فيما كتبه ولم يكن متعمدا إضعاف دليل المسيحيين. وكل ما فعله هو أنه صاغ دليل النصارى على لسانه. ولم يتمكن النصارى من إبراز أدلة أقوى من تلك الأدلة، ولم يتمكن المسيحيون من إيراد حجج أقوى من تلك الحجج التي دونها كاردانوس فأضاف بهذا القول دليلا جديدا على تلك الأدلة التي كان يذكرها الناس في إثبات مروق (لسنك) وزوغانه عن جادة الحق.
ولم تكن دراسة الفلسفة في ذلك العهد من الدراسات التي يرتاح لها رجال الدين، وكان لسنك وهو في مكتبة (ولفنبتل) يقرأ كتب الفلسفة بينهم ويقبل عليها في ساعات فراغه كل الإقبال. ولم يكتف بالمطالعة بل صار يخرج كتب الفلسفة إلى الأسواق ويشوق الناس إلى دراستها، وكانت أحب فلسفة إليه هي فلسفة (رايمارس)(١٦٩٤ - ١٧٦٨م). وهذا الفيلسوف هو على راس الفلاسفة الذين عرفوا باسم وقد شاعت فلسفتهم في القرن الثامن عشر على الأخص. وكانت تحاول تبسيط مبادئ فلسفتها وتقريبها من أذهان الناس