وبعد أسبوع مر الطالب على شيخه فوجده قد وفق لتعيينه في وظيفة أعانته على مداومة الطلب. وأبلغه ذلك وكأنه يعتذر عن تقصيره.
وكثيرون من أبناء الشيخ وخاصته يعرفون عشرات من مثل هذه الحادثة.
وعندما عاد الشيخ مصطفى عبد الرازق من فرنسا في سنة ١٩١٤ وكان شقيقه المرحوم حسن باشا وكيلا للديوان الخديوي اختير سكرتيرا لمجلس الأزهر الأعلى. وحدث في إحدى الجلسات أن اشترك في مناقشة المسائل المعروضة، وتأثر بعض أعضاء المجلس من مناقشته، أو من أسلوبها، فقال له المرحوم حسن باشا جلال، وكان عضوا بالمجلس: يا شيخ مصطفى، أنت سكرتير، ولست عضوا معنا. أنت تكتب ما نقول ولكنك لا تشترك في المناقشة. فسكت الشيخ قليلا، ثم قام، ولم يتكلم فأخذ ورقة، وأقفل درج مكتبه، وذهب إلى بيته ولم يعد للأزهر. فلما عرف شقيقه حسن باشا ما حدث، اتصل بحسن باشا جلال معاتبا، فقال له: إن مصطفى ابني، وقد أردت توجهيه وإفادته. وزار جلال باشا بيت عبد الرازق، ثم عاد الشيخ مصطفى سكرتيرا للمجلس.
وقد قص علي هذه القصة من كان يحضر مجلس الأزهر الأعلى في ذلك الوقت.
وقص علي الشيخ، يرحمه الله، هذه الواقعة، قال:
كان أبي رحمه الله، وأنا أطلب العلم في فرنسا، يرسل إلى في أول كل شهر نفقاتي وكانت تصلني في موعد لا يتخلف. وفي شهر من الشهور ترقبتها في موعدها ولم ترد، وبقيت أنتظر يوما بعد يوم، حتى قل ما بيدي من المال قلة شديدة. وكنت شديد الحرص ألا يعلم إنسان ما أنا فيه. فلما خشيت أن يعلم أمري قصدت متسللا إلى السوق أبحث عن أرخص طعام في ذلك الوقت أشتريه بما بقي معي من فضلة مال، فكان أرخص الأشياء الموز، فابتعت منه كمية كبيرة بمال قليل، ووضعتها في حجرتي، وجعلت أنفرد فيها وقت الطعام لآكل منه ثم أدركت بعد ذلك أني تركت مسكني إلى آخر ولم أبلغ البنك ذلك. فلما ذهبت إلى البنك وجدت نفقاتي فيه في موعدها، ولكنه لا يستطيع إبلاغي وحمدت الله أن سترني ولم يعرف أحد كيف قضيت أيامي تلك.
وفي سنة ١٩٣٦ - على ما أرجح - اختير رحمه الله ممثلا لمصر في مؤتمر المستشرقين.