الخليقة. فأنبهم العالم واستعجم، فاذا كل شيء مبهم، فالفكر فيما وراء الحجب جائل، وكل سر هنالك هائل. الضوء هنالك ضباب، والبصر حجاب.
فامحت الأشكال وخفيت الألوان، وعيّت الريشة في يد الراسم، وحار القلم في بنان الشاعر، وبُهِت المنطق دون البيان، وجمد اللفظ على اللسان. ويبقى السر المحجَّب آبيا على كل مطلب، أو يبصَّ من الحقيقة حاجب يعظم عن ضيق الألفاظ ويكبر على سلاسل القوافي والأوزان.
ورحم الله الشاعر سنائي إذ يقول:(رجعت عما قلت إذ ليس وراء الألفاظ معان، وليس لما ندرك من المعاني ألفاظ).
أهم بالأمر الصغير فإذا هو حلقة في سلسلة، وطريق إلى كل معضلة، وجزء من كل حقيقة هائلة.
وأحاول الأمواج فتنفتح عن الأعماق، فيضل الفكر وتزيغ الأحداق. وأعالج حمرة الشفق، فاذا وراءها خبيئات الأفق، وإذا الأفق صلة الأرض والسماء، وكيف بما فيهما من حقائق، وكيف بما أستسر من أسرار الخالق؟
وأهم بالكلام عن الحيوان فاذا أنا في لجة الحياة، وهي السر العجاب، وسطها فوق الأرض وطرفاها في التراب.
وأريد أن اصف الذرة فاذا هي والشمس سواء، باهرة الحقيقة رائعة الضياء. أنظر إلى الصغير فيكبر، وأعمد إلى الواضح فيستعجم.
والأمل تكسرت أمواجه على صخور الحقائق، وضل سرابه في صحاري الحياة.
يا أخي: ها أنا على ساحل المحيط الأعظم حائر الطرف بين اللجة والشاطئ، مقسم الفكر بين الظاهر والباطن. ولست أدري أأبقى صامتا مبهوتا، أو أهجم على الأهوال، وأغوص في الأعماق، ثم أبين عن عرفاني وجهلي، وإدراكي وعجزي، أو أرجع إلى العهد القديم أصف الألوان والأشكال والضياء والظلال. . . .؟