يحكمه على غير إرادته. . وكانت الثورة قائمة على مبدأ أعلنه الزعيم الأعلى لرسول السلطان الذي أحتج بقوله تعالى:(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فأجابه الزعيم بأن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل، وأن السطلان أو الخليفة نفسه إذا سار في الناس بالجور والظلم كان لهم عزله وخلعه. . .
وأصاب الشعب النصر الحاسم داخل المدينة وخارجها. . . وبارح البلد خورشيد باشا بعد أن عرف بالتجربة أن إرادة الشعوب من إرادة الله. . .
ولبث الشعب المجيد يعين حكومته الجديدة من رد أعدائها من مماليك وأتراك وإنجليز حتى نحاه عن ذلك (واليه) وصارح زعيمه بأن واجب الدفاع والاشتراك في سياسة البلاد قد سقط عن الشعب بعد أن صارت قوة الدولة كفيلة به. . ونهض الوالي بالبلاد نهضة زاهرة شملت تجارتها وزراعتها وصناعتها وثقافتها ولكنها كانت بعيدة عن روح الشعب الذي أكره على الاعتزال ولم تكن ثمرة جهاده ولا نتيجة سعيه ولا وليدة ذهنه فذبلت وماتت بموت موجدها. .
واعتزل الزعيم، حتى إذا اشتط الوالي في ضرائبه التي أكرهته عليها كثرة إصلاحاته وحروبه خرج من مكمنه وأعلن مبدأه الذي لا يقبل فيه شكا ولا جدلا: أن ليس للباشا أن يغير نظام الحكم ولا أن يفرض ما شاء من الضرائب ولا أن يحكم الشعب بغير قانونه وعاداته. . ولكن الباشا عرف كيف يفرّق بين الزعماء وينتفع بحقدهم على زعيمهم فيأمر بخلعه من نقابة الأشراف ونفيه بعيداً عن موطن الثورات. . .
هذا موجز مشوه لسيرة البطل الذي تناوله الأستاذ الجليل محمد فريد أبو حديد في كتابه القيم الممتع الذي أصدره في هذين اليومين وأبان فيه نهاية الكفاح المجيد الذي كان الشعب المصري قد بدأه منذ قرن ونيف من الزمان. . والكتاب آية أدبية جمعت ثلاثة عناصر قل أن تجتمع في كتاب: دقة العلم، وجمال الفن، وحرارة الوطنية.
على أن في الكتاب رأياً ترددت كثيراً في التسليم به، ذلك هو تحديده للوقت الذي تحرك فيه الشعب المصري للمحافظة على حقوقه وحرياته بعام ١١١٤هـ إذ أن الحادثة التي أيدت هذا تتلخص في شكوى رفعها العلماء إلى الديوان فاستجيبت لعدالة الحاكم (الفعلي) يومذاك لا لحرص الشعب وزعمائه على حقوقهم ولا الخوف الحاكم من عنادهم. فأما عدالة