الحاكم فيشهد بها قول الشيخ حسن الحجازي شاعر العصر يرثيه:
ألا قلْ لمن في موت حاكم مصرنا ... غَدَا فرِحاً لا عشْت حلَّ بك الغمُّ
إلى أن قال:
فأرجح ميزاناً وأوفى مكايلاً ... وأخمد نيراناً وقام به سلم
وليس له من مبغض غير معرض ... عن الحق أو من في عقيدته سقم
إلى آخر ما جاء في الرثاء الذي أورده الجبرتي (١٠٧ و١٠٨ج١)
وأما الدليل على أن الشعب وزعماءه يومئذ لم يكونوا قد آمنوا بعد بالحرص على حرياتهم وحقوقهم فيشهد به مجيء فرمان من الدولة عام ١١٣٧هـ يأمر بمنع العلماء من اجتماعهم بالباشا. وكان ذلك في وقت قد اشتد فيه الظلم، وعانى الشعب أو ألواناً من التعدي على الحريات وانتهاك الحرمات ونهب الأموال، فلم يقاوم الفرمان شعب ولا زعماء. ولما تكرر الظلم بعد هذا طالب الشعب العلماء بالذهاب إلى الباشا فاعتذر هؤلاء الزعماء بأنهم ممنوعون من طلوع القلعة. . .! (١٣١، ١٣٥ج١ من الجبرتي) فالشكوى وحدها ليست دليلاً على التحرك لدفع الظلم، وإنما الدليل أن يقاوم المظلوم حتى ينصف أو يستشهد.
والرأي عندي - إن صح أن يكون لي رأي إلى جانب رأي أستاذي المؤرخ - هو أن الشعب قد تحرك للمحافظة على حقوقه وحرياته في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي (أواخر الثاني عشر الهجري) إذ سمعنا في هذه الفترة سلسلة من الحوادث تقوم على دفع الظلم ومقاومة أهله والاعتزاز بالحرية. ورأينا فيه كيف يهتم الحكام - أقوياء وضعفاء وعدول وظلمة - بالرأي العام وزعامته. وسمعنا بالحفني وابن النقيب والصعيدي، وعرفنا موقف العلماء في فتنة الوقف، بل أروع من هذا كله موقفهم في فتنة الأزهر (٥٦ج٢ من الجبرتي) يوم رفضوا شيخ الأزهر الحنفي حين عينه شيخ البلد ولم يعبئوا بمنطقة يوم أصر قائلاً لهم: أليس الحنفية مسلمين كالشافعية؟ أليس مذهب النعمان أقدم المذاهب؟ أليس القاضي حنفياً والوزير حنفياً والسلطان حنفياً. . .؟ انتهى إصرارهم بالانتصار الحاسم على أكبر رأس في البلد.
ورأينا في هذه الفترة العالم الذي يغضب على الحاكم فيقول له في وجهه: لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميراً (١٩ج٢) ورأينا العالم