للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(التنسيق التعبيري).

نحن نتفق مع الأستاذ في أساس القضية، وهو أن العمل الفني في الأدب لا يوصف بالجودة إلا أن يتهيأ للفكرة الجيدة، أو الإحساس الجيد، أسلوبا جيدا، وعبارة جيدة. وأن لا يفسد ويرك ويتعقد ثم تبقى لهذا العمل قيمته الفنية.

(فالفكرة والصورة في الأسلوب كل لا يتجزأ، ووحدة لا تتعدد. وليس أدل على اتحادهما من أنك إذا غيرت في الصورة تغيرت الفكرة، وإذا غيرت في الفكرة تغيرت الصورة. فقولك: أعنيك، غير قولك: إياك اعني. وقولك: كل ذلك لم يكن، غير قولك: لم يكن كل ذلك. وقولك: ما شاعر إلا فلان، غير قولك: ما فلان إلا شاعر. فترتيب الألفاظ في النطق لا يكون إلا بترتيب المعاني في الذهن. . . ص٦٠

(من ذلك نرى أن الأسلوب خلق مستمر: خلق الألفاظ بواسطة المعاني، وخلق المعاني بواسطة الألفاظ. ومن ذلك أن الأسلوب ليس هو المعنى وحده، ولا اللفظ وحده، وإنما هو مركب فني من عناصر مختلفة، يستمدها الفنان من ذهنه ومن نفسه ومن ذوقه. تلك العناصر هي الأفكار والصور والعواطف ثم الألفاظ المركبة، والمحسنات المختلفة. والمراد بالصورة إبراز المعنى العقلي أو الحسي في صورة محسة. وبالعاطفة تحريك النفس لتميل إلى المعنى المعبر عنه أو لتنفر منه). ص٦٢

أوافق الأستاذ على هذا الأساس الذي عبرت عنه على طريقتي في كتاب (التصوير الفني في القرآن). والذي سبقنا إليه الإمام عبد القاهر فعبر عنه على طريقته في كتابه (دلائل الإعجاز). ولقد قررت هذه الحقيقة هناك بهذه الفقرات:

(وبعض الناس حين ينظر في هذه الموضوعات (موضوعات القرآن) ويرى ما فيها من دقة وعظمة، وصلاحية ومرونة، وإحاطة وشمول، يحسبها ميزة القرآن الكبرى، ويحسب أن طريقة التعبير تابعة لها، وأن الإعجاز كله كامن فيها، كما أن بعضهم يفرق بين المعاني وطريقة الأداء، ويتحدث عن إعجاز القرآن في كل منهما على انفراد.

(أما نحن فنريد أن نقول: إن الطريقة التي اتبعها القرآن في تعبير، هي التي أبرزت هذه الأغراض والموضوعات، فهي كفاء هذه الأغراض والموضوعات.

(ولا يردنا هذا إلى تلك المباحث العقيمة حول اللفظ والمعنى وقد استغرقت من النقاد العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>