تتطور، وحاجات العصر تطلب حقها من كل لغة، وأن تتعرف اسمها على كل لسان - كان همّ فقهاء اللغة من هذا الجيل أن يحاولوا الربط بين ألفاظ اللغة وحاجات العصر، وأن يكشفوا عن أوجه المشاكلة بين كل اسم ومسماه وما يتصل به، في أبواب يضعونها، وترتيب يخترعونه، إلا أنه لا يخرج في جملته ومعناه عن طريقة القدامى في الوضع والترتيب.
ولكن فقه اللغة شئٌ غير الكلمات الجديدة، وغير الجمع والترتيب والتبويب، وغير النحت والاشتقاق والترجمة - وإن يكن أولئك هو كل ما نطلبه من فقه اللغة لنساير بها حاجات العصر؛ إنما فقه اللغة أن نحاول الكشف عن أسرار اللغة، وتفهم طبيعتها، وفقه ألفاظها على حقيقتها وفي معناها الذي عناه الواضع الأول؛ ثم البحث في نشأة الكلمات، وتاريخها، واشتقاقها، وتطورها، وما استعملت فيه ودلت عليه من المعاني في مختلف العصور، وما صارت إليه وعرفت به في لغة الأحياء؛ ثم ما يهدي إليه هذا البحث مما تزيد به ثروة اللغة، ويصح به أسلوب الكلام.
وهذا هو ما رآه الأستاذ (محمد عبد الجواد) أستاذ فقه اللغة بدار العلوم، فدعا طلابه إليه، فهيأ لهم قاعة البحث اللغوي، فكان من عملهم هذه البحاثة اللغوية.
وهو كتاب دوريّ، سبقته البحاثة الأولى إلى الظهور باسم: أنابيش لغوية.
وهذه البحاثة كما يدلّ عليها اسمها والغرض منها هي خلاصة البحث اللغوي لطلاب دار العلوم في السنة الدراسية الماضية بتوجيه أستاذهم؛ ويبلغ الكتاب ثلثمائة صفحة، ثلثاها مما اختير من بحوث الطلاب أنفسهم في (رياضة لغوية في قراءة القاموس المحيط)؛ وقد نهج بهم أستاذهم منهجاً حسناً، هو يصفه في مقدمته لهذا الباب:
(. . . رأينا أن توزع عليهم أوراق من القاموس المحيط للبحث فيها واستخراج كنوزها ودفائنها، كي يوجه النظر إلى استعمالها، والانتفاع بها في حركة التجديد اللغوي. . . وقد طلب إليهم قراءتها بإمعان وتدبر، ووضع خط بالقلم الرصاصي تحت ما يصح أن يوضع لمسمى لم يعرف له اسم عربي، أو كلمات يتوهم أنها عامية وهي عربية، أو ما خرج به التحريف أو التصحيف عن عربيته الخ، أو أية لفظة يرى أنها جديرة بالنشر. وإذا كان لأحدهم مقترح، أو أراد التوسع في بحثه، شفع ما قرأ من الأوراق بتوضيح كتابيّ. . .)