للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العصر الذي نعيش فيه

وينسون أن الزمن الذي نشأ فيه بشار والمعري يمتد من أواسط القرن الثاني للهجرة إلى أواسط القرن الخامس، أي نحو ثلاثمائة سنة!

وينسون أن المكان الذي نشأوا فيه يمتد من العراق إلى الشام، ومن الحضر إلى البادية

وينسون أن العصر الحاضر الذي نعيش فيه لا يمتد إلى اكثر من أربعين أو خمسين سنة وهو الزمن الذي يبدأ بفتوة الشاعر وينتهي بوفاته

وإنما الوجه أن يحصروا أربعين أو خمسين سنة من العصر الحديث ثم يحصروا أربعين أو خمسين سنة من العصور القديمة، ثم يعقدوا المقارنة بين هاتين الفترتين، فإنهم ليدركون إذن حقيقة التفاوت بين عصرنا الحاضر وبين كل عصر من تلكم العصور

كذلك ينسى النعاة على المحدثين أن يسألوا أنفسهم: ما هي المزية التي كان بها النابغ القديم (أنبغ) من قرينه الحديث؟

فلا يسألون مثلاً: ما هو كتاب الجاحظ الذي يستعجزون أبناء عصرنا عن الإتيان بنظيره؟ فإن لم يكن كتاب فما هو الموضوع؟ وإن لم يكن موضوع فما هو المقال أو الجملة أو العبارة!

ولو كلفوا أنفسهم سؤالاً كهذا لمالت معهم كفة الميزان وعلموا أن الجاحظ ومن هم أكبر من الجاحظ يحتاجون إلى أن يتتلمذوا على أناس من المتخلفين، وقلما يعتزون بمزية واحدة لا يعد لها نظير من مزايا المتأخرين

وأعجب من ذلك حديثهم عن الموصلي وإبراهيم بن المهدي ومن جرى مجراهما من المطربين في العصور الأولى. فماذا سمعوا من هذا أو ذاك؟ ومن أين لهم إن الموصلي يبلغ شأو سلامة حجازي أو السيد درويش أو أم كلثوم فضلاً عن السبق الذي لا يجارى والبون الذي لا يدرك؟

أما أنا فاغلب الظن عندي أن الأمر معكوس، وإن ألحان الموصلي لا تعدو أن تكون مزيجاً من تنغيم البدو وصبغة الحضارة المستعارة والآلات الناقصة، وكل ما يأتي على هذا النمط معروف الأصول معروف النطاق، وإن لم يكن معروفاً بحروف النوطة وأصوات السماع

كذلك ينسى المتشائمون أن يتقصوا عناصر الشهرة في العصور القديمة قبل أن يعقدوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>