فكم في الشرق من بلد جريح ... تشكي لا الجروح ولا الضمادا
تشكي بغي مقتاد بغيض ... تأبى أن يطاوعه انقيادا
فكانت حيلة أن يمتطيه ... رضيع لبانه فبغى وزادا
صدى للأجنبي ورب قفر ... أعاد صدى فسر بما أعادا
فكانوا منه في العورات سترا ... وكانوا فوق جمرته رمادا
تروي من مطامعه وأبقا ... لهم من سؤر ما ورد النمادا
وكان إذا تهضمه غريب ... أقام له القيامة والمعادا
فأسلمه الغريب إلى قريب ... يسخره كما شاء اضطهادا
فبئس منى لمصفود ذليل ... لو أن يده لم تضع الصفادا
وبئس مصير مفترشين جمرا ... تمنيهم لو افترشوا قتادا
وكانوا كالزروع شكت محولا ... فلما استمطرت قطرت جرادا
والشاعر ذو نظرة واعية فاحصة، فهو ينظر إلى أعمال هؤلاء مدركاً عللها وأسبابها، وقد فطن إلى أن المدرسة الاستعمارية التي تخرج المستوزرين في شتى الأمم العربية مدرسة واحدة متفقة المناهج والأساتذة، حتى لكأنها توزع من هؤلاء نسخاً مطبوعة على الشرق، وفي سطور كل نسخة وظروفها ما يتفق ومبادئ الاحتلال وأغراضه، ويتضح هذا بجلاء في قصائد الشاعر، فأنت ترى ما يمثل في العراق نظير ما يمثل في كل قطر شقيق. وسيعرض لنا الشاعر في فرائده رواية محبوكة الأطراف، منسقة الفصول، وقد استمدت أبطالها وحوادثها مما يجري في الشرق الصريع من محن وأرزاء، وهو بعد موفق في مسرحيته، بارع في أدواره إلى حد كبير، وسأدير لك الشريط لتجد في الفصل الأول ما لا يغيب عن ذهنك من ألاعيب الاستعمار في كل قطر منكوب، فأنت أمام مستوزر بغيض يعرف ما يكنه له الشعب من احتقار وازدراء، فيقابل ذلك بالبطش العنيف، والرقابة المليئة بالدسائس والمؤامرات، فإذا أراد أن يختلق ما يبرر فظائعه الآثمة لجأ إلى الدستور فأخضع نصوصه الفضفاضة إلى ما يريد من تعسف وإرهاق، وأوجد الشروح المتكلفة، والتفاسير المموهة، ممهورة بأسماء قانونية يغريها الذهب والمنصب والجاه، فتحيل النهار ليلا والحق باطلا، فإذا وجد الحجة القانونية الموهومة في يده، لجأ إلى المجلس النيابي فبدده في طرفة