عين، وشرد أعضائه الأحرار، وأخذ يتحدث عن الحرية والمساواة والنزاهة، وأجرى انتخابات باطلة زائفة، وقد حشد لها رهطاً من الأنصار والأنسباء، فإن تجاوزهم فإلى فريق وصولي نفعي يروح مع الذئاب ويغدوا مع الرعاة، وبذلك يضمن الحجة الدستورية لبقائه في المنصب، دون أن يغفل أولياء نعمته من المستعمرين، فيسوق إليهم ما يريدون، وفوق ما يريدون، وإن جر على بلده النكال والوبال، هذا الفصل المؤسف من الرواية يمثل في كل قطر نكب بالاستعمار، وإن الشاعر ليبرزه بوضوح إذ يقول على لسان أحد هؤلاء:
ولم أر للاثم الفظيع ارتكبته ... سوى أنني أديت للحكم واجبا
لجأت إلى الدستور في كل شدة ... أفسر منه ما أراه مناسبا
أكم به الأفواه حقا وباطلا ... وأخنق أنفاسا به ومواهبا
أهدم فيه مجلسا لا أريده ... وإن ضم أحراراً غياراً أطايبا
وأبني عليه مجلساً لي ثانيا ... أضيع ألكاكا عليه رواتبا
وأحشد فيه أصدقائي وأسرتي ... كما ضم بيت أسرة وصواحبا
فإذا أنهي الفصل الأول من المسرحية أدار الشريط مرة ثانية. فطالعك في الفصل الثاني بفريق من المستوزرين جذبهم الاستعمار إلى موائدهم، وأظهر لهم العطف الزائد والحب الأكيد لبلادهم، ورآهم أهلا لمحالفته على البأساء والضراء، وأبرم معهم وثائق خادعة، ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، فطار بها الأغراء كل مطار، ورجعوا إلى بلادهم يتشدقون بالعزة والحرية والاستقلال! ويدعون أنهم أنقذوا الوطن من براثن الاستعمار، إنقاذاً مشرفاً يتفق وكرامة البلاد، فإذا حزب الأمر وتغير الوضع الدولي، تنكر الحليف لوثائقه، وسخر بأذنابهم وحلفائه، وأخذ يفسر النصوص تفسيراً مجحفاً ظالما وطالب بحقه كصديق محالف في الانتزاف والاستلاب، وهنا فقط يتيقظ النائمون من رقدتهم فيردون في الوثائق أغلالاً خانقة، وقيوداً ثقيلة مرهقة، فيتنصلون مما اقترفوه، كمولود تحدر من سفاح، ويلصق كل فريق جريمته بأخيه، ويعرف الجميع أن معاهدة الذئب للحمل ماكرة باغية، ولا سبيل إلى مصادقة غريم يهدد صاحبه بالمحق الذريع، ثم يضحك الشاعر من غفلة هؤلاء الذين لا يلمسون بدائه الأشياء فيتخبطون تخبط العشواء، حتى يفجئهم الواقع المرير بما لا