في آداب البيت والزي واللهجة وإن اختلف الزمان واختلت الأوضاع وطغت عوامل التحلل من الواجبات والتقاليد الكريمة على البيت والألسنة والحرمات!
ألا أيتها المعاني والعوالم التي كانت مجسمة في هذا الجسم المهذب الحواشي الدمث الجوانب الذي كان الكمال والسمت يقيده في الحركة واللفتة والكلمة. . . . هل يملك مثلي ممن كان يعيش معك فترات يجدد فيها ذكرى والده في صورتك وروحك ويحي الوفاء الذي كان بينكما، إلا أن ينظر الآن من وراء الغيب إلى هذه الحفرة التي أسلموا إليها ذلك الجسم الزكي الحبيب الذي كان مجتلاك أيتها المعاني؟! وماذا يغني النظر في تلك الحفر التي مضى إليها كل من كان ويمضي إليها كل من هو كائن في أبد الآبدين؟!. . . هل يغني إلا الحسرة على الفقد وضياع ما في يد الإنسانية من تلك المعاني العزيزة النفسية التي هيهات أن تجتمع في ذات إلا في خطفات زمنية وذوات معدودة يجود بها الزمان على بخل وشذوذ؟ إن هذه الذوات التي تجتمع فيها هذه الخلال إنما هي الكتب الحية والكلمات المجسمة التي تفسر الأفكار والأحلام التي يقرؤها القارئون في عالم الكتب المسطورة فيظنونها مخلوقات من عالم الأطياف لا حياة لها على هذه الأرض حتى يروا النموذج في شخص حي فيصدقوا. . . .
وكم يرى الناس من عالم يملأ طباق الفكر علما، ولكنه لا يملأ الفجوة الواعية الحساسة الصادقة في النفس! لأن علمه منفصل عن ذاته وحياته، فهو في فكره كالشيء المقتنى في يده، لم يجر من ذاته مجرى الدم في قلبه والرأي في عقله والخلق في سلوكه فهو حقيق ألا يرى الناس فيه قدوة تهدم أرواحهم القلقة. وإنما ينظرون إلى علمه بإعجاب، كإعجابهم بالمشعوذ أو الحاوي!
وكم رأى الناس من روحي لا يحسن الكلام ولكن يحسن السلوك والعمل وتفيض يداه بالخبر وقلبه بالعطف فيكون فيه للناس علامة مشيرة أبدا إلى منطقة النجاة من لجج الوحل والدنس التي تقطع السبل على الرجل المتطهر! فإذا اجتمع العلم والروح في شخص كان فضل الله عليه عظميا، فإذا كان ذلك على غنى وجاه لرجل يؤدى زكاة الغنى والجاه بالكيل الوافي كان ذلك فضلا عظيما مضاعفاً يعتبر ندرة تجمع عليها القلوب بالحمد.
أنا واثق أن كل فرد من اتصل بالعقيد يستطيع أن يسرد وقائع شخصية له من مكارم هذه