الذات، أدبية أو مادية، ولذلك أقترح أن تدون هذه المكارم لتضم إلى المذخور المأثور عن أجواد العرب وساداتهم وعلماء المسلمين الأبرار، فإن في هذا التدوين ثروة تضاف إلى عبقرية الخلق التي هي أعظم العبقريات في الإنسان على رغم ما يشاع عن عبقرية الفكر أو عبقرية الفن، لأن عبقرية الخلق هي (فن الحياة) الذي ينمو في ظلاله الاجتماع الإنساني بما فيه من نتاج فكري وفني وعملي، فهي عبقرية أشبه شئ بالأمومة المضحية الفادية المعطية من غير أخذ. وهي عبقرية يختص الله بها قلوب طراز من الرجال يصح أن يسمى (الرجال الأمهات)! لشدة حبهم لنفع الإنسانية وتفانيهم في خدمتها وبرها.
أيها الروح الزكي الذي كان أبا وأخا وصديقا للجميع؛ إن القوم اجتمعوا لا ليكرموا ذكراك، فإنها عنصر من مكونات معنى الكرم ذاته في إفهام الناس في هذا العصر. . . . ولكنهم اجتمعوا ليكرموا أنفسهم بحديث ذكراك. ولو أرادوا أن يكرموك لأدركوا منك في حياتك كامل ما أدركوه بعد فقدك. . . ولكنهم اعتادوا مع الأسف ألا يكرموا الفضائل إلا بعد موت الفاضل. . لأن انتقال الموت فاجأهم ويفجعهم فيحسون أن الأرض تزلزل تحت أقدامهم بعد أن يتحطم قطب من أقطاب حياتهم عليه. . . وكانوا يدورون حوله وهم لا يشعرون. . . .
فمتى ترشد الأمم الشرقية فتتمتع بثمارها الناضجة التي أودع الله فيها سر النوع البشري قبل عطبها أو اختطافها! لماذا لا ندرك منازلهم في قلوبنا إلا بعد فقدهم، لماذا لا نسرهم في حياتهم بالاستجابة لداعية الخير في نفوسهم حتى يمضوا مطمئنين إلى بقاء الخير والبر بعدهم؟ لماذا لا تكون المدائح قبل المرائي؟
ما أصدق تلك الكلمة التي قالها الأول:
لا أعرفنك بعد الموت تندبي ... وفي حياتي ما زودتني زادي!
وما أصدق قول الآخر:
ترى الفتى ينكر فضل الفتى ... ما دام حياً فإذا ما ذهب.
لج به الحرص على نكته ... يكتبها عنه بماء الذهب!
فاللهم أرشدنا وبصرنا حتى ندرك أن أعظم ثروات الأمة هم رجالها الأفذاذ في الخلق والعلم فتنتفع بهم وتتمتع بعبقريتهم، ولا نضيعهم ثم نبكي عليهم!
روح الله الفقيد وأرواح أحبائه، وأحسن العزاء فيه للجميع فإنه فقيد الجميع.