ما أهون! أأقول جزعنا. . لا يكفي. . أأقٌول فقدنا فيك إيمانا بالسمو مع التواضع والزهد مع العظمة. . أأقول فقدنا فيك إيمانا بإنسانية الإنسان. . لا. . إن شيئا من هذا لا يجرؤ أن يعبر عما فقدنا. كل ما نستطيع أن نقول إننا فقدنا جمال الدين أباظة بك. . فقدناه لراحته هو فنحن لم نفقده. . وإنما نفتقده ولا نجده. .
كنت هنا في الأرض تشيع حولك جوا ملائكيا، ساميا، طاهرا. رفيعا. وكنت تنعم بما تشيع وينعم به الجالسون إليك؛ ثم ما تلبث هذه الأرض النكدة أن تذكرك أنك ما زلت عليها ليشتبك الحديث في ماديات أنت أزهد الناس فيها. وإذا انتهت الجلسة وانصرف أصحابها واضطربوا مع الحياة أذلتهم وأذكرتهم بأنهم هنا. . هنا ما زالوا أبناءها وعبادها. وكنت وحدك تترفع عن عبادتها فلا تتجه بوجهك لغير الله. ولا تذكر في نفسك غير هذه الملائكية الرقيقة التي أنشأتها على الأرض. . أما الآن فاهدأ ولنجزع نحن. . اهدأ فقد أصبحت في المكان الذي طالما تمنيت أن تكون فيه، وها نحن أولاء ما زلنا ننظر إلى مكانك فترتفع معك بأفكارنا لنهدأ وترتاح جوانينا أن أصبحت أنت في أهنأ مقام ثم نهبط بأنفسنا إلى هنا. . إلى حيث نحن الآن، فتلتاع النفس حسرات وشوقا، ونريد أن نهرب من هذه الحياة إلى سمائك التي كنت تنشئها على الأرض فإذا هي قد ارتفعت إلى السماء التي أعد الله فيها جنات لك وللمتقين. . وهكذا نهرب من الحياة إلى الحزن عليك، ثم هي تحاول أن تلهينا ولكن عز فيك التلهي وجل فيك العزاء
وبعد فيا عماه. . ماذا أقول؟. أينتهي هكذا مجال القول فيك؟ أقسم أنه ما ضاق إلا لسعته وما عجزنا إلا لمصابنا. . فما أنت بالراحل الذي يكفي فيه البكاء؟ ولكنه من هذا المكان الذي أحببت أن تقرأ لي أحببت أنا أكتب إليك مما كنت تسمع وتقرأ. . ولكنني اليوم وا مصيبتاه. . لن أستطيع أن أسمعك. . فإذا قرأته فلن أعرف رأيك فيه. . وما أحتاج الرأي اليوم، فما هي إلا عبرات شاء بها القلم أن يجاري تلك العبرات المنهمرة من صاحبه. وكلانا العاجز الذي يعلم عجزه ولا يستطيع أن يواريه. بل هو يرى في الظهور به بعض التخفيف مما يلاقى. . وحسبنا الله ونعم الوكيل