بأقلها مسلكه إذا هو خاب. لم يستطع أصلاً أن يعلل لِمَ تحيط تخميراته أحياناً عن الطريق السوي المعروف، إلى طريق معوج غير مألوف، ومع هذا لم يظهر عليه أنه اهتم لهذا أبداً. كان ماكراً ذا حيلة، فإذا انسد في وجهه الطريق لم يحاول فتحه بنطحه، فقد علم أن هذا لا يجديه إلا تحطيم رأسه، فكان يدور حول المشكل دوراناً، ويزوغ من ورائه زوغاناً، فيلويه ويثنيه حتى يصبح له بعد أن كان عليه
لِمَ هذه الرائحة الكريهة رائجة الزبد الفاسد؟ لِمَ لا ينتج حامض اللبن أحياناً؟! وفي ذات صباح حدق في قطرات السائل، فرأى حياً جديداً يعوم حول تلك العصى المتخاذلة المتناقصة. (ما هذه الأحياء؟ إنها أكبر من العصى كثيراً، وهي تعوم كالسمك عوماً، هي إذن حيوانات صغيرة)، وأخذ يلحظها لحظات الكاره لها، الضائق بها، المتبرم منها، فقد عرف بالسليقة أنها دخيلة، إنها زورة الضيف الثقيل لا أهلاً به ولا سهلاً. وكانت تتقاطر كالإبل، ولكنه إبل كريهة المنظر، شوهاء الوجوه. أو هي كالأفعى تنسل انسلالاً. وأحياناً كانت توجد فرادي، وكان يدور الفرد منها دوراناً رشيقاً، أو يتزن على عقبه ثم ينفلت انفلاتاً بديعاً. وكان منها الرعاد والرقص.
مناظر ممتعة حقاً، ولكن ما دخولها إلى ماء السكر بغير دعوة ولا استئذان! وحاول بستور مائة مرة أن يسدّ عليها السبيل كي لا تدخل إلى القوارير. وسلك لذلك سبلاً لا تروق لنا اليوم. وكان كلما ظن أنه قطع دابرها، إذا بها تنط له في القوارير من جديد. وذات يوم خطر له أن هذه الأحياء ذات صلة بالرائحة الكريهة التي كان يجدها ببعض القوارير
وبهذا أثبت؛ في نوع من التحقيق، إن هذه الأحياء صنف جديد من الخمائر تحيل السكر إلى حامض الزبد الفاسد. أقول في نوع من التحقيق، لأنه لم يكن موقناً يقيناً تاماً بخلو قواريره من أنواع أخرى من الأحياء غير التي رآها. وبينما هو في خبلته، ساهم في حيرته، تراءى له أن يخرج النجاح من خيبته، ويطلب الفرج من أزمته. نظر إلى بعض السائل بأحيائه الجديدة فوجد أن أوسط القطرة يتنغش بها، ويعج بحركاتها. ودار بمنظاره قليلاً قليلاً غير قاصد حتى جاء إلى حرف القطرة، فوجد تلك الأحياء فاقدة الحراك كجثث الأموات تصلباً وهموداً. وعاد فنظر في قطرة أخرى، فوجد بها ما وجد بالقطرة الأولى، فصاح:(إن الهواء يقتل تلك الأحياء). وأكد لنفسه أنه كشف كشفاً خطيراً. وبعد قليل أخبر