ساعة المقهى الكبيرة المعلقة في صدر المكان، كأنها لم تقتنع بساعتها، فإذا هي أيضاً السادسة والثلث. . . تنادي الخادم فتسأله: هل ساعة المقهى مضبوطة؟ فيؤكد لها الخادم ذلك. . علامَ هذا القلق؟ علامَ؟ إن الحبيب سوف يحضر. . . لعل طارئاً قد عاقه. . . إنها تطلب فنجاناً من القهوة لتهدئة أعصابها، ولكن تأتي القهوة وأعصابها ما زالت مضطربة. . . تتناول مجلة لتلهى بها نفسها ولكنها تعيدها بعد برهة إلى مكانها، لأنها لا تفهم ما تقرأه، مع أن المجلة ليست علمية صعبة، بل هي تتحدث عن نجوم (هوليود). .
تعود الفتاة إلى إرهاق ساعتها، تنظر إليها مرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم تعيد النظر في ساعة المقهى. . ربّ! كيف مر الوقت بهذه السرعة؟ إن العقرب أشرف على السابعة! هل داخل الساعة شيطان يا ترى يعجل الوقت لإغاظة الفتاة؟ يأتي الخادم وقد رآها قلقة، فيسألها: هل تنتظرين أحداً يا سيدتي؟ فتجيبه متلهفة بالإيجاب، ثم تعطيه علامات الحبيب لعله يكون قد رآه، ولكن الخادم آسف لأنه لم يشاهده. .
تتأهب لمغادرة المقهى إذ يئست من الانتظار، تغادر مكانها وهي أشد حزناً من حمامة هجرها أليفها، ولكنها تعود ثانية إلى المقهى فقد نسيت أن تؤدي قيمة ما شربته. . تقف برهة على الباب، إذ عساه يحضر. . ثم تطأطئ رأسها وتنصرف. .
تعود إلى المنزل، ولكنها تسلك هذه المرة طريقاً أخرى غير الطريق الأول، لأنها لم تعد ترغب بعد في تبني الطفلة الفقيرة، ولا في تضميد جرح الكلب. تدخل حجرتها فترتمي على السرير لأنها تحس بتعب شديد كأنها صعدت جبال (الهملايا) مع أنها في الواقع مشت قليلاً. . ليس ما بها من التعب، بل من الحزن، الحزن العميق. . .
تركت باب الحجرة مفتوحاً لتسمع التليفون إذا دق، فهي تأمل أن يعتذر الحبيب إليها. . . يدق التليفون فتسرع إليه، كما يسرع الغريق إلى قارب النجاة. . . . يالخيبة! ليس هو الحبيب الذي يتكلم، بل هو إنسان آخر قد أخطأ الرقم، يدق التليفون من جديد فتهرع إليه الفتاة، فإذا المتكلم سيدة تسأل عن (س) الجزار. . .! ثم يدق التليفون مرة ثالثة، في هذه المرة هو الحبيب الخاطب المتكلم، لأن الفتاة اغتبطت فجأة اغتباطاً عظيماً كأنها ربحت اليانصيب الايرلندي. . . الخاطب يسألها عن سبب تأخرها لأنه ظل ينظرها ساعتين كاملتين في المقهى، وكان أنظاره في المقهى آخر، إذ اخطأ اسم المكان، الفتاة تسرع في