الطالب راسكو لينكوف شاب روسي نفور عبوس، شديد الكبرياء على الرغم من طهارة قلبه؛ تسممت روحه بفلسفة القوة التي سادت أوربا في نهاية القرن التاسع عشر، فخيل إليه أنه شخص ممتاز، وأنه باعتباره عبقرياً وضع نفسه فوق القانون. وكان يسائل نفسه:(لو كان نابليون قد صادف في طريقه إلى المجد عوائق وعثرات، أكان ينكص على عقبيه، أم يتقدم في جرأة ويزيلها؟).
كان الرد الطبيعي على هذا التساؤل أن قتل مرابية عجوزاً ليثبت نفسه أنه يمتاز على الناس أجمعين بقوة تتسامى عن الخضوع للقوانين، ففي رأيه أن هناك أناساً يحق لهم أن يعتدوا على الحياة الإنسانية دون أي عقاب، ولكنه ما انتهى من جريمته حتى أضحى فريسة آلام مبرحة، فشعر بوحدته القاسية بين الناس ولم يطق البقاء حتى مع أمه وأخته، وهجر الجميع ليختلف إلى الحانات يختلط فيها بالأوساط الوضيعة.
وهناك يلتقي بسكير شيخ جعل يقص على الطالب آلامه وكيف أن إدمانه قد جر على أسرته الوبال من مرض اضطرت معه ابنته أن تسقط في مهاوي العار لتقوم بأودهم، فيعطف الطالب على هذا المخلوق الملوث. وتدهم هذا السكير عربة فيقضي نحبه، ويتعرف الطالب إلى الأسرة البائسة ويساعدها بما تملك يده ويحنو على الفتاة الساقطة التي تقوضت حياتها مثله ويرى فيها ملجأه الوحيد في هذا العالم.
وكان (بوفير) قاضي التحقيق الذي عهدت إليه قضية مقتل المرابية يشك في الطالب، وتشاء المصادفات أن يطلع على مقال بتوقيع راسكولنيكوف يشير فيه إلى أن هناك طبقة ممتازة من الناس تملك حق ارتكاب الجرائم، فيلاحقه في حذر ودهاء، فهو لا يملك برهاناً مادياً، لأن يقظة الطالب تفسد عليه كل شيء.
وهكذا لا تستطيع العدالة أن تقتص من القاتل، فهل ينجو من يقتل نفساً بشرية؟! لا، إنه الضمير يهيب في نفسه ويعذبه فتهن أعصابه ولا يستطيع أن يحتمل هذه الحياة، فيسير إلى الفتاة ليلقى على منكبيها هذا السر الذي أنقض ظهره وعجز عن احتماله، فترى الفتاة أن الإنسان وإن انتصر على عدالة الناس إلا أن في أعماق ضميره عدالة أسمى وأقسى لا يخفت لها صوت حتى يكفر عن جريمته، فيستمع لها ويخرج من بيتها فيلقى قاضي