يتحرك، ينتابه ألف عامل وتمر بقلبه ألف عاطفة، وفجأة ينظر إلى غرفة داخلية كان قد احتبس فيها خصمه، ينظر إلى الغرفة فتلمح في نظرته وترى على وجهه من معاني الحقد والثار والغضب ما يفزعك، ثم يصدر أمره إلى أحد رجاله بان يمضي إلى النهاية، النهاية التي فيها الخراب والدمار، وفي هذه النظرة الحاقدة، وفي هذه الملامح التي غمرت الوجه لحظة أو بعض لحظة، ملامح الغضب الكمين والرغبة في الثأر والانتقام الفظيع برّر الممثل ما أخذه الناقد على المؤلف، بل شرح الممثل المؤلف وأعان المتفرج على أنه يفهم كيف أرتضى الزوج أن يهدم حياته كلها في سبيل هذا الانتقام.
وأنت إذ تمضي في الطريق ترى عشرات الوجوه، بل المئات بعضها سمح طلق تحس الراحة والطمأنينة بالتطلع اليه، وبعضها قاس عنيف تنفر منه، بعضها تحس أن وراءه طبيعة طيبة وقلبا كريما، وبعضها الآخر تحس أن وراءه خبثا كمينا وشرا مستطيرا، وقد ترى إنسانا لا تعرفه ولم تحتك به في عمل أو حديث، ولا صلة لك به، ثم تهمس في أذن صديقك انظر! هذا رجل ابله، أو هذا رجل طيب، أو هذا رجل شرير، إلى غير ذلك من المعاني التي توحيها إليك ملامح الوجه الذي رأيته.
ومن العبارات المألوفة أن تقول عن شخص معين في حديث يدور حوله إن وجها يدل على الطيبة وكرم الأخلاق أو أن ملامح وجهه تدل على أنه شرير خبيث ولن تجد لغة من اللغات تخلو من هذه العبارات التي تتردد على الألسنة والأفلام، فتمر بالسمع أو يقع عليها النظر وكأنها بديهة لا نقاش فيها ولا جدال، وفي العربية من مثل هذا شيء كثير، وفي شعرها ونثرها قديمه وحديثه مطولات في وصف الوجوه على مختلف ما تنبئ عنه ملامحها وقسماتها، وهذا هو الشاعر العربي لم ينس أن يستهل القول في مديح من أراد وصفهم بأنهم (بيض الوجوه. . .). وهذا الحطيئة لما أراد أن يهجو نفسه، هجا وجهه!!
ولسنا نمضي في هذا إلى النهاية، فإننا لا نكتب بحثا في الأدب، وكل ما أردناه من هذا الاستطراد أن نقول أن لوجه المرء وما يرتكز عليه من ملامح، أو يمر عليه من تعبيرات، أهمية كبيرة في إعطاء الناظر فكرة خاصة عن صاحبه، سيئة كانت أم حسنة، سواء أكانت هذه الفكرة عن طبيعة الشخصية ذاتها في سائر أطوارها، أم عنها في ظرف خاص ووقت معين، ومن هنا كانت هذه الأهمية الكبرى التي يعلقها فن التمثيل على قوة تعبير الممثل