بوجهه، ولهذا كان لفن التنكر خطره الذي لا ينكر، فإذا أجاده الممثل أعانه إلى مدى كبير على خلق شخصية دوره خلقا صحيحا مستقيما مع طبيعة الدور، وأعانه على إعطاء المتفرج فكرة حقيقية عن الشخصية التي يقوم بها كما أرادها المؤلف، وكما تفرضها طبيعة القصة، وإذا اخطأ الممثل في تنكره المسرحي ولم يعط الوجه - مستعينا بما لديه من الأدهنة والألوان وغيرها من أدوات التنكر المعروفة - الصورة التي يجب أن يكون عليها، فقد يؤدي به ذلك إلى الفشل المحتوم والسقوط الذي لا مفر منه، بل هذه هي النتيجة التي لا محيص عنها، وضع على وجه اقدر الممثلين وأكفئهم قناعا كثيفا وأخرجه أمام الجمهور المتفرج فلن يرى فيه إلا دمية تتحرك وجثة تروح وتجئ، بعد أن حجبت منيع الحياة، ومرآة القلب والشعور.
وفن التنكر من أدق الفنون واشقها، يتطلب خبرة واسعة ودراية كبيرة، حتى ليضطر الممثل الذي يريد أن يحيط به إحاطة تامة أن يدرس تشريح الوجه من الوجهة الطبية ويلم بكل التفاصيل التي تتعلق بهذه الناحية إلماما شاملا. وعليه أن يدرس أيضا إلى جانب هذا مختلف التغيرات التي تطرأ على وجه الإنسان في شتى أطوار حياته وكلما تقدمت به السن. فوجه أبن العشرين ليس كوجه أبن الأربعين أو الستين، كما أن علائم المرض والصحة تترك أثرها على الوجه، وهناك بعض الأمراض تترك آثارا مادية تدل عليها كالجدري مثلا.
وإلى اختلاف السن، هناك اختلاف البيئة والمركز الاجتماعي والمعروف أن لكل حرفة طابعا خاصا يميز صاحبها، ولا تخطئ النظرة الدقيقة الخبيرة هذا الطابع على الوجه، وما أظن أن من العسير أن تميز الفلاح من بين المئات ولأول نظرة وفي مقدورك أن تشير إلى أحد المارة فتقول أنه عامل، وتكون مصيبا في قولك صادقا في فراستك، كما تستطيع أن تحكم على معين أنه من الدهماء أو من أوساط الناس أو أثريائهم من ملامح وجهه، ومن العبارات المألوفة قولنا (هذا الشخص تلوح على وجهه آثار النعمة)
والتعاسة والشقاء يتركان على الوجه آثار لا تخطئها العين في تلك التجاعيد والغضون ومسحة الألم التي تنبئ عما وراءها من كدر العيش ومرارة الحياة، كما أن السعادة والهناء يخلفان هذه البسطة في الملامح والسماحة في تعبيرات الوجه، تتوجها كلها الابتسامة