تعصف من الاستغناء ريح صرصر تدمر في كل خفقة إقليما، وهنالك سبعة الأبحر غدير، وسبعة الكواكب شرر، والجنات السبع جيفة، وسبع النيران قطعة من برد. يقول العطار:(يا عجباً! إن النملة هناك تربو قوتها على مائة فيل، وإن غراباً لا يشبع بمائة قافلة.
لو سقطت آلاف الأرواح في هذا البحر ما كانت إلا قطرة واحدة في بحر لا ساحل له. ولو هوت الأفلاك والأنجم ما كانت إلا كورقة سقطت من شجرة. . الخ
(يريد شاعرنا أن يشرح ما يدركه السالك في هذه المرحلة من استغناء الله عن العالم وصغر هذه العوالم كلها وضآلتها في جانب الحقيقة الكبرى. ويبين أن الأشياء هناك لا تقاس بمقاييسنا)
٥ - وادي التوحيد
هناك كل عدد يصير واحداً في واحد فيتم الاتحاد، ولكن هذا الواحد ليس كالواحد الذي يذكر في العدد، هو وراء العد والحد (كلام يذكرنا بكلام فيثاغورس في نشأة العالم من الواحد). هنالك لا أزل ولا أبد. وان يضع الأزل والأبد فلا شيء بينهما فكل الأشياء كانت وستكون عدما.
(ومعنى هذا الكلام - فيما أظن - أن الله هو الحقيقة التي لا يحدها الزمن، وكل ما عداها، مما يقاس بالماضي أو الحاضر عدم، فلا شيء قائم إلا هذه الحقيقة).
٦ - وادي الحيرة
هناك يلاقي السالك أضدادا ونقائض تلوح له كلما اختلفت على نفسه الأحوال والادراكات. وهو بين هذا وذاك يفقد نفسه. لا يستطيع أن يهب قلبه لهذا الجلال ولا أن يمنعه. ولا يقدر على أن يسير وحده أو يتبع غيره. فهو نفور من الخلق ومن نفسه، لا مسلم ولا كافر، لأن دين الحيرة لايحد، ولا يعرف الحب ولا البغض، ولا التقوى ولا الفسوق، لا هو خير ولا شرير، ولا موقن ولا مرتاب، ولا هو عزيز ولا ذليل. لا هو كل شيء ولا هو شيء، ولا هو كل ولا جزء من كل.
يقول العطار: (فان يسال السالك هل أنت موجود أم لا؟ أأنت في العالم أم خارجه؟ أظاهر أنت أم خفي؟ أفأن أم باق، أم لست فانيا ولا باقيا، أم أنت فان وباق في وقت واحد؟ فلن