يكون جوابه: إلا (لا أدري شيئاً ولا أدري أنني لا ادري. أنا عاشق ولكن من؟ لا أدري)
ويضرب العطار مثلاً بنت ملك أحبت خادماً واستحيت أن تظهر حبها للخادم. فأوحت إلى جواريها فيسقينه حتى سكر، ثم أتين به اليها، فلما صحا بعض الصحو فتح عينيه فرأى جمالا باهراً في مكان يسحر الألباب، وشم رائحة ذكية، وسمع موسيقى مطربة. فأحب الخادم الفتاة، فلما غلبه النوم حمله الخدم إلى مكانه، فلما استيقظ ذكر ما رأى ولكن كيف ومتى وأين؟ قال له الناس إنه حلم، ولكنه لم يستطيع أن يقول أكان هذا حلما أم يقظة، ولا أن يعرف أكان سكران أم صاحيا:
(فهذا المثل يوضح مقصد الشاعر فالسالك في هذه المرحلة تلوح له أشياء من عالم الغيب ثم تختفي عنه حين يرجع سيرته الأولى من هذه الحياة)
٧ - وادي الفقر والغناء
وهو آخر الأودية: هو وادي الدهشة والصمم والبكم أو الغشية، هنالك آلاف آلاف الظلال تحمي في الشمس. إذا ماج البحر الكلى فكيف يبقى النفس على صفحة الماء. وكل من فقد نفسه في هذا البحر فهو في فناء وسلام أبدا.
يضرب الشاعر أمثالا ليبين الكلام عن هذا الوادي كدأبه في الفصول كلها، ومما ضرب هنا مثل الفراش الذي اجتمع ليلة واتفق على طلب الشمعة، فقالوا لابد أن يذهب بعضنا ليراها ويصفها لنا قبل الذهاب؛ ذهبت فراشة إلى قصر فرأت نور الشمعة منبعثاً منه فرجعت تصف الشمعة لأخواتها، قالت فراشة عارفة: ما لهذه علم بالشمعة قط. فانبعثت فراشة أخرى قاصدة مكان الشمعة فاقتربت ثم اقتربت حتى لم تطق حرها فانثنت إلى صاحباتها تصف ما عرفت من أسرار الشمعة، فقال الخبير: أيها الأخ ما هذا إلا كلام كالذي سمعنا من قبل. ذهبت ثالثة سكرى من الشوق راقصة مرفوفة، فألقت بنفسها في نار الشمعة فأخذتها النار من كل جهة فاحمرت كالنار. فلما رجعت رآها في لون النار وضوئها فقال هذه عرفت الشمعة إنما يدرك المحبوب بالفناء فيه: الخبير العارف
كل هذا يقوله الهدهد على منبره والطير مصيخات إليه. فلما سمعت الطير مقاله أخذها الغم ووجمت وعرفت إن لا طاقة لها بهذا ومات بعضها في مكانه، ثم بدأن الطيران فلقين في الطريق ما لا قبل بوصفه، وانتهى قليل منها إلى الغابة، وهلك أكثرها في الطريق! فمنها