القيلولة في الربيع الماضي، عندما تجد أثر النعاس اللذيذ في كل جفن، على الرغم من توسط الشمس قبة السماء بهيجة ساطعة؛ وعندما تلمس روح الهدوء في كل حي، كأن الكل شعراء يحلمون!
هكذا كان حَفَلها بالكتاب عظيماً وأنا أطلعها عليه للمرات الأول. على أنها لا تفهم العربية الفصحى جيداً، فكنت أتناول عميق المعاني بالإفصاح والطلوع بها إلى سطح معرفتها باللغة - وفي هذا ما فيه من تشويه - فلا تتمالك نفسها من أن تقول والدهشة تملأ فاها (أهذا السحر في العربية؟) فأجيب (بل وفي قلم الزيات أيضاً!)
ما كانت تدري أن في العربية سحراً، وقد شبت جاهلة بها. وهي وإن كانت عربية فيها دم فارسي إلا أنها تجيد الفرنسية قبل كل لغة (هكذا شاءت إدارة المدارس الفرنسية، وهكذا خضعت حكومات البلاد العربية لهذه الإرادة القاسية!)
لقد عرفتها قبل أن أعرفها (برفائيل) بثلاثة اعوام، أطلعتها فيها على كثير مما جادت به القرائح والأقلام العربية فأعجبت بالكل وذهلت برفائيل! ولم يكن هذا الإعجاب الطاغي، أو هذا (الذهول) ليغمط حق سائر الكتب التي اطلعت عليها. فلكل طريقته وأسلوبه ورائع معانيه، إنما في (رفائيل) روح لا توجد في سواه، روح عالية سماوية ليس فيها من نزعات الأرض واحدة!
- ماذا؟ أصديق جديد؟
قالت عندما رأت (رفائيل) في يدي لأول مرة. . كلمتان اعتادت أن تقولهما كلما رأت في يدي كتاباً جديداً. .
قلت: لا، بل معلم مجيد، بل عالم سماوي ليس فيه خبث ولا دنس. أنه (رفائيل) روح من السماء كما كانت في السماء. .
كنت أود لو أن الصديقة التي قضيت معها الساعات الغارقة في الإعجاب، المتسامية بروحينا عن عالم وضيع إلى دنيا ليس فيها حياة إلاَّ الطهر والسحر. . كنت أود لو أنها تحكي هذا الذي حكيته، إلاَّ أنها بعيدة. . وإلاَّ أنَّ هذا الخاطر هاج فيّ ولا أظنه هاج فيها، وذلك لنظري إلى الكتاب لا كنظرتها فقط إنما هناك عوامل أخرى، تخلق فيّّ نظرةً أخرى، تقيم الخشوع في نفسي كلما ذكرت شيئاً من الكتاب أو قرأت فيه شيئاً. .