أنا عندما أقرأ مأساة رائعة أبكي ويعتصر الألم قلبي فألازمه أياماً. . وعندما أقرأ صفحة في البطولة، تهيج في نفسي عوامل الشعور بالقوة في الروح وفي الجسم وفي الأماني، وفي كياني كله. ولكني عندما أقرأ (رفائيل) أحسُّ عالماً جديداً في داخلي، وعالماً جديداً حوالي!
سواء علي أوثق القراء بما أقول أم لم يثقوا، فحسبي أني أصف خاطراً في نفسي أهاجته خواطر في نفوس الغير. . سواء علي أوثق القراء من أني لم ألقَ تهذيباً في البيت أو في المدرسة من أمي أو من مدرَّساتي، أو من أية ناحية من نواحي الحياة بقدر ما ألقي في صفحة. . بل في بضع جمل من رفائيل!. سواء أوثق القراء أم أبوا فأني أقول هذا للحقيقة لا للدعاية - وهل يحتاج مثل رفائيل للدعائية؟
كل ما في نفسي من غرائزها البشرية الرديئة، كل ما فيّ من أثرة وحسد وبغضاء ونزوات دنيئة، كلها تموت وتتلاشى إذا ما قرأت في رفائيل صفحة. . وأعود لا أرى في الدنيا وفي قلبي إلا المعاني الجميلة، الدنيا الطاهرة التي في رفائيل. . وأعود لا أرى الحبَّ إلا عذرياً نقياً كحب رفائيل. . ولا أرى الصداقة إلا بريئة من كل شائبة كصداقته. ولا أرى العفة في كل عاطفة إلا عفته، ولا الدنيا الصادقة إلا دنياه؛ ولا الحياة الزاخرة بوجدان حي إلا حياته. ولا أرى المثل الصادق للتهذيب الذي يدخل النفس من حيث لا تشعر فينقيها ويجلو محاسن ربها فيها، ويهيئها لعالم كل مادته ومعناه وجدان طاهر وعاطفة بلا شائبة، ذلك التهذيب اللين الجارف في غير قسوة ولا تشديد، إلا في كلمات يلقيها رفائيل في الحس فتمهد الدرب، في غير صعوبة، إلى أعماقه. . وفي جمل رائعة يصف فيها حبه وحياته وآلام قلبه فتحس جلده على تحمل آلام اليأس الذي ما كان ليراه يأساً. . وصبره على حرمانه الذي يجد فيه كل المتع، ويلقى فيه من السعادة ما يحمله على الهزء بأسباب لذاذات الناس أجمعين، لذاذات فانية تشمئز من أصحابها. .
كذا يجب أن يكتب الكاتب، وكذا يجب أن يقولوا للناس كباراً وناشئة. . إذ ذاك يكونون قد عرفوا عظم مسؤولياتهم تجاه الجمهور القارئ. وإذ ذاك يكف النقاد عن صيحتهم:(اتقوا الله فيما تكتبون فان عليكم تبعة الأثر الذي تتركونه في النفوس. .) كذلك فليكتب الكتاب، وإذ ذاك يقال عنهم إنهم مخلصون جد مخلصين، وإذ ذاك يكونون أصحاب رسالات في الإصلاح والتهذيب لكل جيل وكل جنس وكل روح: