هذا كتاب للتهذيب!. لعل صاحبه يوم كتبه لم يقصد به إلى هذا، إنما كذلك كانت نفسه، وقد أراد به التعبير عنها ووصف ما خالجها فجاءت هذه الصفحات الرائعة من حياة الوجدان والقلب. وإنما قصد به إلى هذا مترجم تلك الصفحات وناقلها إلى أمته أصدق نقل في أروع أسلوب وأعف حديث. . وأي بلاغة في القول المهذب أعظم من قول رفائيل في معنى (كان حبنا ينمو كل يوم دون أن تمسسه يد النقصان أو الفناء، لأننا كنا لا نقطف ثماره بل ندعها حية يانعة تنمو وتنمو!.) وأي معنى أروع في تهذيب العاطفة من غضبة الشاعر على حبيبته يوم أظهرت له تحسرها على شبابه وأيامه تنطوي بهذا الحرمان في حبها، تلك الغضبة التي تشتد وتحتد، حتى يترك القارئ وفي نفسه أنه لا يذوق لذة فانية من حب مهما تيسر له ذلك، لأن الحب هو لك الذي في قلب رفائيل وحبيبته ليس إلا.
هذا خاطر في النفس أهاجته خواطر في نفوس الناس. . وأن النفس من رفائيل لعوالم، وأن أثر الصفحة منه في الروح كتب. . وأثر الجملة أحلام، وأثر الكتاب تهذيب وصقل وبلاغة قول، وسلامة منطق!. ولا يفكر في ترجمة رفائيل إلا ذو نفس كنفس رفائيل! فهل يشكرها الجمهور على هذه الخدمة الصادقة، أم يشكر ربها الذي براها؟!
وبعد فأن في صدر الساعات الدافئة من الربيع الذي مات، أثراً من آهات خافتة كانت صدى الروعة في النفس، وعمل (رفائيل) في الحس؛ حملتها نفس (الربيع الذي مات) إلى جنة الخلد. . إلى رفائيل!. .