والذي أفهمه أنا حين أقول عن التصوير في القرآن:(فليس هو حلية أسلوب، ولا فلتة تقع حيثما أتفق. وإنما هو مذهب مقرر وخطة موحدة، وخصيصة شاملة) أو حين أقول: (والأمثلة على هذا الذي نقول هي القرآن كله حيثما تعرض لغرض من الأغراض التي ذكرنا. . .)
الذي أفهمه حين أقول هذا: أن السمة الواضحة التي تحدد (عنوان) الطريقة المتبعة في القرآن هي سمة (التصوير) وأن هذا لا يعني انتفاء نص أو عدة نصوص لا تتضح فيها هذه السمة. إنما الطابع العام الذي يعنيني، وهو الذي يعني كل ناقد ينظر في عمل فني، فيبحث عن السمات العامة فيه، ولن يجد من يقول له: إن هنا سطراً أو فقرة أو صفحة لا تتضح فيها هذه السمة. فذلك آخر ما يقال في الحكم على القانون.
فأما حين نكون في المعمل فنقول إن خصائص (الأوكسجين) هي كيت وكيت. فإن لكل باحث أن يقول: نعم أوكلا. إن هناك خصيصة ذكرت خطأ، أو هناك خصيصة نسيت. فالحكم غير صحيح!
وهذه هي نسخة المصحف التي كانت مرجعي في أثناء تحضير كتابي. تحمل صفحاتها (تأشيراتي) على مواضع التصوير في القرآن. وهأنذا لا أكاد أجد صفحة واحدة خلت من موضع يحمل إشارة إلا أن تكون تشريعاً. . . وهذا حسبي لتقرير هذه الحقيقة التي قررتها في كتابي بعد التشبع بطريقة القرآن، والحياة في جوه أكبر وقت مستطاع.
بل هأنذا أنظر في كلمة الأستاذ عبد المنعم الأولى التي يعدد فيها طرائق التعبير القرآني فيقول:(إني أترك له أن يستعرض صفحات القرآن فسيجد أن التصوير الفني أداة واحدة من أدوات التعبير الكثيرة في القرآن؛ وليست هي الغالبة ولا الكثيرة (١) فتارة يعبر عن المعنى المراد بالتعبير المتكافئ المعنى واللفظ الذي يستخدم الألفاظ الوضعية وحدها (٢) وتارة يستعير لفظة واحدة من غير أسرة الألفاظ التي في الجملة ليحرك بها الخيال ويلمس الحس لمسا رقيقاً (٣) وتارة تكون ألفاظ الحقيقة وملابسات الخيال متساوية (٤) وتارة تكون ملابسات التصوير وإثارة الخيال هي الغالبة (٥) وتارة تكون هي الكل. . .)
فهذه خمس طرائق للتعبير عددها الأستاذ عبد المنعم. . . أنظر فأرى أربعاً منها مما أعنيه حين أذكر طريقة التصوير. وواحدة فقط هي التي تسلك الطريقة الذهبية المجردة. وتكملة