أبداً لن أغادرك أبداً. . . وأما عن نفسي فلن أتزوج، وسأظل دائماً إلى جوارك دائماً. . . دائماً. . . واحتضنتها سوزان متأثرة بهذا الإخلاص من طفلة. ولكن الطفلة عملت بقولتها، وعلى الرغم من توسلات أبويها وتضرعات شقيقتها لم تشأ أن تتزوج. . . ولقد كانت جميلة بارعة الجمال، وردت كثيراً من الشبان الذين كانوا يلوحون أنهم يحبونها. . . لم تغادر أختها مطلقاً!
وعاشتا معاً طيلة إقامتهما دون أن تفترقا مرة واحدة. وظلتا متعاشرتين تربطهما عروة وثقى. . . إلا أن (مرجريت) كانت تبدو دائما حزينة مهمومة. . . أكبر حزنا من أختها، كما لو كان من المحتمل أن تكون تضحيتها الغالية قد قوضت حياتها، وراحت تدلف في طريق الشيخوخة بخطوات حثيثة، ووخط الشيب شعرها وهي لا تزال في الحلقة الثالثة من عمرها. . . دائماً تعاني، كما لو كان خطراً هائلاً يهددها.
وهاهي ذي الآن تموت قبل أختها! ولم تنفرج شفتاها عن كلمة منذ أربع وعشرين ساعة. . . فقط قالت عند الومضات الأولى للفجر: هيا ابحثي يا أختاه عن القس؛ فإنني مشرفة على الهلاك. . .
وبقيت بعد ذلك مستلقية على ظهرها. . . تنتفض انتفاضاً مرتجفة الشفتين، كما لو كانت كلمات هائلة تصعد من أعماق قلبها، ثم تقف حائرة على شفتيها!
وراحت أختها، وقد أرمضها الألم، تبكي بحرقة من خلف السرير، وهي تردد:
يا مرجو. . يا مرجو التعسة. . . يا صغيرتي، وكانت دائماً تناديها بيا (صغيرتي)، كما كانت مرجريت تناديها دائماً بيا (أختي الكبرى). . .
وسمعنا وقع أقدام على الدرج. . . وفتح الباب ولاح طفل من الكنيسة، ومن خلفه قس كهل في لباسه الكهنوتي. وما إن وقع بصر المحتضرة عليه حتى انتفضت وفغرت فاها، وتمتمت بكلمات غير مفهومة. . . وتقدم منها الأب (سيمون) وتناول يدها وقبلها في وجنتها، وقال لها في صوت حلو النبرات:
- إن الله ليعفو عنك يا طفلتي. . . تشجعي. . . هاهي ذي اللحظة قد دنت. . . تكلمي
. . . وتمتمت مرجريت التي راحت تنتفض من فرعها إلى قدمها. . . وراح مهادها يهتز بتأثير حركاتها العصبية