للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعيسى والنبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون)

ثم دعا الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى توحيد الإنسانية بمحو العصبية القبلية وقتل النعرة الجنسية وتغيير القياس لدرجات الناس، فجعل التقديم والتكريم بالتقوى، وبذلك زالت الفروق الاجتماعية بين الباهلي والقرشي، وبين الفقير والغني، وبين الأسود والأحمر (إن ربكم واحد. وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)

ثم واءم بين الدنيا والدين وقد كانت الشرائع الأخرى تفصل بينهما كل الفصل، فجعل اليهود الكهانة في اللاويين ثم انصرف سائرهم إلى الصفق والاجتراح. ودعا المسيحيون إلى الرهبانية والنسك وترك ما لقيصر لقيصر. ولكن الإسلام جعل الدين للدنيا كالروح للجسم، فلا تعمل إلا بوحيه، ولا تسير إلا بهديه، فكان خليفة الرسول هو ملك الناس، وكان إمام المصلين هو قائد الجنود

وأنت إذا نظرت في حياة الرسول بالبصيرة، وبحثت في أصول الإسلام بالروية، وجدت مبدأ التوحيد والاتحاد مرمى كل عمل وأساس كل قاعدة. وبفضل التوحيد والوحدة جعل الله العرب القلال الضعاف أئمة للناس وورثة لكسرى وقيصر. فلما انشقت العصا وتمزق المسلمون ونسوا الله وفصلوا بين دينه ودنياهم، ضعفوا ولانوا واستكانوا وأصبحوا بين الأمم القوية قطعاناً تسام وسلعاً تساوم

لقد آن للمسلمين أن يرجعوا إلى ما دعا إليه نبيهم، ويتبعوا ما صلح عليه أولهم، فيوحد زعماؤهم الجهود، وتحدد أحزابهم الخطط، وتستعد شعوبهم للقيام بنصيبهم الأكبر من بناء حضارة روحية جديدة تقوم على العدم، وتستقيم بالمساواة، وتستضيء بالدين، ويرتفع جنباتها المترامية ذكر الله (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

محمد مصطفى المراغي

<<  <  ج:
ص:  >  >>