المضطرب ينام في هدوء وراحة وأشعتها تتعابث وتتعانق، يودع بعضها بعضاً قبل أن تتلاشى لدى المغرب.
حينذاك اندفعت إلهام إلى الحديقة في ثوبها الحريري الأبيض الرفاف وهي في عطرها المتأرج وشبابها الفياض تنفث الحياة في هذه الناحية وما فيها سوى البستاني العجوز يفحص الأرض بفأسه الصغيرة، اندفعت إلى الحديقة تحنو على أزهارها وتحبو شجيراتها ببعض عطفها وتتنقل هنا وهناك، فهي زهرة نضيرة بين أزاهير، ولكن فيها هي الحياة الوثابة وفيها الجمال الآسر وفيها الخفة والفتنة وفيها السعادة والبشرى. لقد تفتحت الأزاهير وتكاد أوراقها أن تذبل، أما هي فتوشك أن تتفتح عن أكمامها فتبدو في بهائها ورونقها ملء العين وسحر القلب وإن ربيع الأزاهير لينطوي في غير بطأ ولا تلبث، أما ربيعها هي فيقبل في هدوء وأناة، وغمُر الحديقة نور الفتاة فتراءت كأنما ترقص طرباً وحبوراً.
ودخل (عادل) إلى الحديقة - على حين غفلة - فألفى الفتاة أمامه وجهاً لوجه فرأى فيها معاني قلبه الشاب ولكنه ما يزال في الجامعة وما تزال هي طفلة. وسألها عن أبيها وعن أمها فما وجدهما. لقد خرج معاً ليقضيا شطراً من الليل خارج الدار. وهمَّ الفتى أن يرجع غير أن الفتاة طلبت إليه أن يتلبث قليلاً لتعرض أمامه أزهارها وشجيراتها.
وتحدثت الفتاة في طلاقة واستمع الفتى. وانطلقت وانطلق هو إلى جانبها يحدثها وتحدثه هي حديث الزهر والشجر والربيع والأصيل والعطر. . ورقت كلمات الفتى وتكسرت نبراته. . . ثم خرج ووقفت هي تنظر إليه في صمت، وأحسست الفتاة بالوحدة حين رأت عادلاً يتوارى خلف سور الحديقة فأرادت أن تندفع في إثره لترده إليها، ولكن. .
وعادل فتى سمهري القوام قوي العضل وضاح الجبين يتألق وجهه حياة ونشاطاً، وتنبعث من عينيه أشعة نفاذة قوية علامة الذكاء والفطنة، وتضطرب في محجريه آثار عبرات مكفوفة علامة الإنسانية والرقة، وهو - إذ ذاك - طالب في السنة النهائية من كلية الآداب واسع الأفق حلو الحديث طلي الأسلوب رقيق الحاشية، طيب القلب، عالي الهمة، يعتز بعلمه وأدبه، حريص على كبريائه وكرامته.
لقد دأب عادل - منذ أن التحق بكلية الآداب - على أن يزور (فكري بك) - والد إلهام - كل أسبوع فهو صديق أبيه وهو عونه هنا في القاهرة. وإن عادلاً ليفزع إلى فكري بك