للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المغلوبة! ألم يتركوا لها حرية العقائد والعادات، وكتفين بأخذ الجزية؟

إذن ما مصدر هذه القسوة؟

إن (أنامونو) الفيلسوف الأسباني الشهير الذي توفي أخيراً ينسبها إلى دم النور (بفتح الواو) المنتشرين بكثرة في ربوع أسبانيا، وبخاصة في الجنوب، لأن هؤلاء القوم لهم - على حد زعمه - غرائز بعيدة عن المجتمع، بل وحشية. ومما يؤيد قوله هذا ما حدث في برشلونة من أعمال القتل والحرق والسلب فقد قام بمعظمها عمال من الجنوب لم يستوطنوا برشلونة إلا في السنوات الأخيرة. . .

أي أسبانيا! أصحيح أن حسانك قد مللن أقنعة رؤوسهن الجميلة من (الدانتلا) والمعروف (بالمانتليا) ففضلن عليها خوذة الجند الحديدية؟

أصحيح أنهن حطمن بأيديهن تماثيل العذراء التي طالما توسلن إليها كي ترقق لهن قلب العاشق النافر؟

أصحيح أنهن أصبحن يقتلن بالحديد والنار بعدما قتلن زمناً بسهام اللواحظ وحد الجفون؟

أصحيح أنهن سئمن أناشيد الحب فأخذن يحرضن خطابهن الرشيقين ذوي العيون العربية البراقة على الذهاب إلى ساحات الموت؟

أي أسبانيا! أصحيح أن قومك يهدمون مآثر ماضيهم المجيد بزعم التقدم والرقي؟

رب! كيف تمحى قرون متتابعة من العز والفخار؟ هل من المدنية أن تدفن المتاحف وتنسف الآثار؟

ألا ينظرون إلى حسرة أبناء العالم الجديد لافتقارهم إلى الآثار وهم قدوة المدنية والتقدم؟

ألا يرون كيف ينقل هؤلاء القوم الكنائس والقصور الأثرية من أوربا، حجراً حجراً، لإعادة تركيبها في بلادهم، رغم ما يكلفهم عملهم هذا من جهد ومال؟

أي سرفانتس! هلا تركت ضجعتك الهنيئة الأبدية لحظة لتشاهد مقدار عبث قومك؟

أي سرفانتس! إن صاحبك (دون كيخوت) لأقل جنوناً من هؤلاء القوم جميعاً إذ جنونه برئ لا يتعدى مهاجمة الخراف والطواحين، أما هؤلاء فلا يهدأ لهم بال إلا بقتل الأطفال والنساء والإخوان من بني جلدتهم!

(كرمة ابن هانيء)

<<  <  ج:
ص:  >  >>