للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أحس وتخيل وصور إحساسه وتخيله باللفظ المبين والخواطر الذهنية الواضحة فليس ذلك من شانه ولا هو مما يدخل في باب البلاغة والشاعرية.

وهذا خطأ بعيد في فهم الوصف والشعر يخرج بهما عن القدرة النفسية إلى القدرة الإلهية التي تحكي المناظر الظاهرة كما تحكيها المصور الشمسية.

وليس يعنيك أنت أن يكون الشاعر صحيح العين مطلعا على المرئيات المتشابهة ليتصل وجدانك بوجدانه، ولكنما يعنيك منه أن يكون حيا يشعر بالدنيا، ويزيد حظك من الشعور بها) ويجلي لك ما اضطرب في نفسك من أحاسيس وخوالج لا تستطيع لها كشفا ولا بيانا وتلك مزية الشاعر في كل زمان، وما كان للقدامى أن يخلطوا في الحكم لولا انه التبس عليهم ملكة الشعر بملكة الوصف، وأن هذه شيء وتلك شيء آخر. (فمن وصف وشبه ولم يشعر فليس بشاعر، ومن شبه وأبلغك ما في نفسه بغير وصف مشبه).

ذلك هو ما جر عبد القاهر وغيره إلى سوء الاختيار والى طول الإطراء لسخافات هولاء الوصافين المصورين، وإلا فأي جمال وروعة وأي وجدان أثاره الشاعر بقوله في وصف منسر البازي:

في هامة غلباء تهدي منسرا ... كعطفة الجيم بكف اعسرا

يقول من فيها بعقل فكرا ... لو زاهدا عينا إلى فاء ورا

فاتصلت بالجيم صارت جعفرا

وتقرأ عبد القاهر، فإذا كلام جميل، وتطريز بديع أملاه تركيب الرجل العقلي الفلسفي.

ويجري في هذا الميدان قوله:

كلنا باسط اليد ... نحو نيل فرند

كدبابيس عسجد ... قضْبُها من زبرجد

وقوله الآخر:

لم أر بد صفاً مثل صف الزُّطَّ ... تسعين منهم صلبوا في خَطَّ

من كلَّ عالٍ جذعُه بالشطَّ ... كأنه في جذعه المشْتَط

أخو نعاس جدَّ في التمطِّي ... قد خامر النوم ولم يَغُطَّ

كل هذه صور ولكنها ليست شعرا ولا تقوم في باب الشعر بقليل ولا كثيرا، ولا يحسب

<<  <  ج:
ص:  >  >>