للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لصاحبها وان رقت صناعته بين الشعراء حساب، وكل ما لها من حسن نرجعه دقة الريشة، وقوة الملاحظة. أما الشعور، أما الإحساس، أما الإثارة التي تهز الوجدان، فما أبعدها عن هذه الصورة الميتة الجامدة.

والفرق بين الشعر والوصف، كالفرق بين الحياة والموت فالذي يشعر يعطيك صورة تدب الحياة في أعطافها، والذي يصور يعطيك تمثالا لا حركة فيه ولا حياة.

- ٢ -

يقول الأستاذ الخولي في قول المتنبي:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال

كلامهم في أن الغرض من التشبيه بيان أن وجد المشبه ممكن مرفوض لأن الأديب لا يضع نفسه موضع المناقش بل يفرض نفسه على الناس. وإنما دعاه إلى هذا التمثيل أن الناس ينكرون المزايا، فقال إن ذلك نظائر. اهـ

أما أن الشعراء يفرضون أنفسهم فذلك ما لا يسع أحدا التشكك فيه، ودونك فافتح صحيفة من ديوان، أي ديوان، فانك واجد أكثر من مثال:

قال أبو العلاء في رثاء الشريف الموسوي:

ذهب الذي غدت الذوابل بعده ... رُعْشَ المتون، كليلة الأطراف

طار النواعبُ يوم فَادَ نواعيا ... فندبنه، لموقف ومُنافِ

أسفٌ أسفَّ بها واثقل نهْضها ... بالحزن فهي على التراب هواف

فهذا الذي ادعاه في اختلاج أواسط الرماح وكلال أطرافها، وهذا الذي ادعاه من ان الغربان قامت نوادب للشريف، وأنها لحزنها ثقلت حتى كادت تخالط التراب، وما زعمه بعد من أن الغربان ترثي الشريف بقصيدة على روي القاف.

هذا كله ادعاء سوغه أن الشعراء يفرضون أنفسهم على الناس، فليس في حسابه أن يقول له القوم كذبت فاقم الدليل على ما تقول. فإذا قال المتنبي أنت أربيت على الأنام وفقتهم، فما عليه باس، وليس لأحد أن يقول له هذا غير ممكن أو ممكن حتى يقال إن قوله: فإن المسك بعض دم الغزال لإثبات هذا الإمكان ولكنه حين يقول ذلك يؤكد دعواه، ويقرب المعنى الذي قصده إليه، وإلا فما هو بالذي يحتاج أن يثبت إن الأمر ممكن، لان الشاعر ان يدعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>