للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالحديد والدم.

وبين هذين النقيضين يقوم نظام أخلاقي وسط بين حب المسيح وقوة نيتشه، دعا إليه أرسطو، ومؤداه المزج بين أخلاق الضعف وأخلاق القوة، ويريد أن يلقى بزمام الأمر إلى العقل المثقف الحكيم، فهو وحده الذي يصح أن يؤتمن على اختيار الأخلاق الملائمة للمواقف المختلفة، فهو يعرف متى يلبس لبوس الحنان والعطف، ومتى يتنمر ليفترس، ومعنى ذلك أن الفضيلة عند أرسطو هي الذكاء، ويميل في السياسة إلى مزيج من الأرستقراطية والديمقراطية

ثم جاء سبينوزا فأخذ ينسج من هذه الصور وحدة خلقية متناسقة. وهو في هذا يسير سيرا منطقيا دقيقا حتى ينتهي إلى نتائجه التي يقدمها، فهو يبدأ بتقريره أن السعادة هي الغرض المقصود من الأخلاق الفاضلة. ولكن ما هي هذه السعادة التي نتجه نحوها ونقصد إليها؟ هي عنده في بساطة لا لبس فيها ولا غموض، وجود السرور وارتفاع الألم. ولكنا نعود فنقول: وما السرور والألم؟ أهما حالتان معينتان؟ أم هما نسبيان يختلفان باختلاف الأشخاص؟ هنا يجيب سيبنوزا بأنهما ليسا حالتين، أي ليس ثمة حالة مستقرة يقف عندها المرء قائلا: هنا السعادة، وهناك الألم. إنما السعادة شعور بانتقال النفس إلى درجة أدنى إلى الكمال، والألم شعور بانتقالها إلى مرتبة أبعد عنه. ولما كان الكمال عنده هو القوة، لا قوة نيتشه الغاشمة العمياء التي تقوم على الغريزة الوحشية، ولكنها القوة العقلية المتزنة. فكلما درجت صاعدا في سبيل هذه القوة العقلية كنت أقرب إلى الكمال، وكنت بالتالي سعيدا مطمئن النفس. ومعنى هذا أن العواطف والمشاعر هي مسالك أو طرق تسير فيها النفس، مقبلة نحو القوة تارة، مدبرة عنها طورا. (لاحظ العلاقة بين كلمتي ووكذلك بين كلمتي ولتدرك العلاقة القوية في اللفظ بين ألفاظ الحركة وألفاظ العواطف والمشاعر. ومثل هذه العلاقة موجودة أيضا في اللغة الفرنسية) فالفضيلة والقوة عند سبينوزا شيء واحد، أي أن الفضيلة هي زيادة فاعلية النفس التي تعمل على حفظ البقاء. وكلما اتسعت مقدرة الإنسان على حفظ وجوده ازداد ما يتحلى به من فضيلة. وبعبارة أوضح يعتقد سبينوزا أن أساس الفضيلة هي الأنانية المعتدلة التي تعينك على الاحتفاظ بوجودك، وهو لا يرى في حب الشخص لنفسه ضررا يلحق بالأخرين، واذن فلا خير في أن تضحي بنفسك من أجل

<<  <  ج:
ص:  >  >>