الأولى الشرقية، والمدارس الفلسفية القديمة، وطريق الديانات السماوية كذلك. فكلها وضع (الخير) غاية للفرد وللجماعة، وكلها تقريباً نصح ونادى بالزهد كعامل رئيس من عوامل الوصول إلى هذه الغاية. والفرق بينها أن العقائد الأولى كعقائد قدماء المصريين والهنود والفرس تنسج (الخير) كغاية للإنسان في قصة شعرية أو في حكاية فرضية
وهي بينها تختلف في مقدار هذا الفرض وقيمته، وفي ذلك العنصر الشعري ومقداره - بينما الفلسفات القديمة أو الديانات السماوية، وأن سلكت طريق الإقناع تميل إلى تحكم المنطق والالتجاء إلى العقل في الدعوة إلى (الخير) والتقرب من مثاله، أو التقرب من الله الذي هو عنوان الخير المطلق. والفرق بينهما كذلك في قيمة النظر إلى الزهد كوسيلة إلى تلك الغاية، فبعض العقائد الشعبية الأولى كبعض المدارس الفلسفية القديمة وبعض الديانات السماوية يبالغ في تقدير الزهد وفي صلته بسيادة الخير في الجماعة؛ ولذا يتشدد في طلبه من الفرد ويوصي به إلى درجة (الحرمان) أو (الإفناء). والبعض الآخر من هذه الاتجاهات الثلاثة يعترف بالزهد كوسيلة للوصول إلى الخير - يقره كذلك - ولكنه لا يطلب أن يكون موقف الإنسان من هذه الحياة سلبياً فقط، بل بجانب نصيحته له (بالقصد) في متعها بوجه نشاطه وحيويته إلى عمل إيجابي للغاية نفسها، وهي غاية الخير
أما الوسيلة الثانية وهي محاولة تنظيم متع هذه الحياة بين أفراد الجماعة الإنسانية تجنباً للتصادم بين رغبات الأفراد المختلفة فهي طريق الأخلاق كعلم استقل عن التأثر بالميتافيزيقيا وطريق القانون. وبعبارة أخرى هي طريق الإنسان الحديث الذي رغب في الاستقلال بنفسه عن الدين وعن الفلسفة الأولى عند تحديده للحياة وتحديد مهمته فيها
فالبحث في تحديد (السعادة) أو (الواجب) مهمة علم الأخلاق؛ واعتبار (سعادة) الجماعة أو اعتبار عمل (الواجب لذات الواجب) هو هدف التشريع الحديث والقانون الوضعي، وهو كذلك أيضاً أساسهما. فالقانون في مواده المختلفة المتعلقة بنواحي الحياة للفرد والجماعة يحاول أن يشعر الفرد ويفهمه أيضاً أنه إذا لم تقتضي له رغبة بأن هذه الرغبة لم تضع عليه في الواقع، إذ (سعادة) الجماعة أو (الواجب)، أو ما صاغه القانون ذاته من (الصالح العام) طلب إحلال أمر آخر محل هذه الرغبة الفردية الخاصة إلى حين؛ وذلك نظير تمتعه - أي الفرد - بالصالح العالم في فرص أخرى وهي كثيرة