للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإسلامية بنوع خاص، وبين هذه المصادر موسوعات جليلة في مختلف العصور، ومنها ما كتبته أقلام معاصرة قديرة؛ وفيها من المواد والتفاصيل والوثائق ما يغتبط له الباحث ويحقق غايته. ولكن كم من هذه المصادر الجليلة أتيح له أن يرى الضياء حتى يومنا؟ ومع ذلك فأن هذه الآثار التي أخرجت حتى اليوم لم تلفت أنظار الباحثين والقراء لأنها لم تنل حقها من التعريف أولاً، وثانياً لأن معظمها ما زال فريسة الناشرين المتجرين الجهلة، يخرجونه في أثواب عتيقة منفرة يقبل عليها الباحث مرغماً ويلقى في مراجعتها من المشقة ما يلقاه في مراجعة المخطوطات القديمة ذاتها

هذا وما زالت المراجع والموسوعات القديمة التي وضعت بين أيدي الباحثين والكتاب مستقى خصباً لنقل النصوص والروايات كما كتبت منذ مئات السنين؛ وما زال معظم المؤلفات التاريخية المعاصرة يقوم على هذا النقل المجرد؛ ومثل هذه المؤلفات لا قيمة له من الوجهة العلمية، لأن عصر النقل المجرد انتهى منذ بعيد، وأصبح التاريخ في عصرنا علماً جليلاً يقوم على المباحث والمقارنات العلمية والنقدية والاستنباط المسند، وأصبح وثيق الصلة بكثير من العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ فمن المؤلم أن يرغم الشباب في هذا العصر الذي يعتبر فيه التاريخ مرآة الحضارة ودعامة للعاطفة القومية، على أن يقرأ التاريخ الإسلامي والتاريخ القومي في هذه الكتب الممسوخة التي استخرجت دون بحث أو تمحيص من الروايات القديمة، ولا فضل لمصنفيها - إن كان ثمة فضل - إلا في الاختصار والتبويب والطبع الأنيق

وقد آن أن نتحرر من هذا الجمود الذي يشل ثقافتنا التاريخية، ويحجب عنا تراث الماضي الزاخر، وأن نستخرج من هذا التراث نفائسه، ونقدمها لجيل العصر في أثوب العصر وأساليبه. وأول ما يجب لتحقيق هذه الغاية في رأينا هو أن يبذل جهد صادق للتعريف بهذا التراث وقيمته وأمكنة وجوده. وهذه مهمة تستطيع دار الكتب المصرية أن تؤدي فيها أعظم دور. ولقد عكفت منذ أعوام على دراسة هذا الجانب من تراثنا القومي، فكتبت عدة دراسات ومباحث عن أقطاب الرواية المصرية مثل ابن عبد الحكم والكندي وابن زولاق والمسبحي والقضاعي والنوريري والعمري والقلقشندي والمقريزي وابن تغري بردى والسخاوي وابن اياس، استعرضت فيها تراجمهم وجهودهم وآثارهم المنشورة والمخطوطة

<<  <  ج:
ص:  >  >>